الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

بيان تلبيس الجهمية في تأسيس بدعهم الكلامية

ابن تيمية - أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني

صفحة جزء
قلت: المقصود الآن ذكر أقوال السلف في معنى الصمد، وأما ما يدعيه طائفة من المتأخرين من أن الاشتقاق إنما يشهد لقول من قال: إنه السيد، فسنبين أن هذا من أفسد الأقوال، بل شهادة اللغة والاشتقاق لذلك القول الذي قاله جمهور الصحابة والتابعين أقوى، وإن كان ذلك كله حقا، والاسم يتناول ذلك كله، واللغة والاشتقاق يشهد له.

الوجه الثالث: أن هذا التفسير ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذلك يتبين بوجهين:

أحدهما: من نقل الخاصة عنه، كما تقدم.

الثاني: أنه من المعلوم أن هذه السورة كان النبي صلى الله عليه وسلم يذكر للمسلمين فضلها، وأنها تعدل ثلث القرآن حتى أمرهم أن [ ص: 543 ] يجتمعوا، وقال: «اجتمعوا لأقرأ عليكم ثلث القرآن، فلما اجتمعوا قرأها عليهم» وهي سورة يتعلمها الصغير والكبير والحر والعبد والرجل والمرأة، وقد سن لهم أن تقرأ في ركعتي الفجر والطواف، وكان بعض أصحابه يقرأ بها دائما في الصلاة مع السورة، فقال: «سلوه لم يفعل ذلك؟ فقال: إني أحبها؛ لأنها صفة الرحمن، فقال: أخبروه أن الله يحبه».

[ ص: 544 ] وهذا كله مما يوجب توفر الهمم والدواعي على معرفة معنى الصمد، وهذا أمر يجده الناس من نفوسهم، فإنه إذا قرأها الإنسان مرة بعد مرة اشتاق إلى معرفة معنى ما يقول، والنفس تتألم بأن تتكلم بشيء لا تفهمه، فالمقتضي لمعرفة هذا الاسم كان فيهم موجودا قويا عاما متكررا، والمانع من ذلك منتف، وأنه لا مانع لهم من المسألة عن هذا الاسم، ويتوكد هذا بشيئين:

أحدهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا علم أصحابه القرآن علمهم ما فيه من العلم والعمل، كما قال أبو عبد الرحمن السلمي: «حدثنا الذين كانوا يقرئوننا القرآن عثمان بن عفان، وعبد الله بن مسعود، وغيرهما أنهم كانوا إذا تعلموا من النبي صلى الله عليه وسلم عشر آيات لم يجاوزوها حتى يتعلموا ما فيها من العلم والعمل، قالوا: [ ص: 545 ] فتعلمنا القرآن والعلم والعمل جميعا».

الثاني: أنه قد روي من غير وجه أن المشركين وأهل الكتاب سألوا النبي صلى الله عليه وسلم عن نعت ربه، فأنزل الله هذه السورة، وقال: «إنها نسب الرحمن وصفته» فلا بد أن يكون في الجواب بيان معنى هذا الاسم للكفار من المشركين وأهل الكتاب، فإنه لا يحصل الجواب لهم بذلك إلا بلفظ يعرف معناه، فكيف يكون علم المؤمنين بذلك، وهذا كله يدل دلالة قطعية يقينية أن معنى هذا الاسم كان معروفا عند الصحابة، وأن النبي صلى الله عليه وسلم قد بين لهم من ذلك ما يشكل عليهم، وأفادهم ما يحتاجون إليه من معرفة معنى هذا الاسم، كيف وهذا كله من بيان القرآن الذي [ ص: 546 ] يجب على الرسول صلى الله عليه وسلم، فإنه يجب عليه بيان لفظه ومعناه.

التالي السابق


الخدمات العلمية