الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      ولو أرادوا الخروج لأعدوا له عدة أي : أهبة من الزاد والراحلة وسائر ما يحتاج إليه المسافر في السفر الذي يريده .

                                                                                                                                                                                                                                      وقرئ ( عده ) بضم العين وتشديد الدال والإضافة إلى ضمير الخروج ، قال ابن جني : سمع محمد بن عبد الملك يقرأ بها ، وخرجت على أن الأصل عدته إلا أن التاء سقطت كما في إقام الصلاة وهو سماعي وإلى هذا ذهب الفراء ، والضمير على ما صرح به غير واحد عوض عن التاء المحذوفة ، قيل : ولا تحذف بغير عوض وقد فعلوا مثل ذلك في عدة بالتخفيف بمعنى الوعد كما في قول زهير :


                                                                                                                                                                                                                                      إن الخليط أجدوا البين فانجردوا وأخلفوك عدى الأمر الذي وعدوا



                                                                                                                                                                                                                                      وقرئ ( عده ) بكسر العين بإضافة وغيرها ولكن كره الله انبعاثهم أي : خروجهم كما روي عن الضحاك أو نهوضهم للخروج كما قال غير واحد ( فثبطهم ) أي : حبسهم وعوقهم عن ذلك : والاستدراك قيل عما يفهم من مقدم الشرطية فإن انتفاء إرادة الخروج يستلزم انتفاء خروجهم وكراهة الله تعالى انبعاثهم يستلزم تثبطهم عن الخروج فكأنه قيل : ما خرجوا لكن تثبطوا عن الخروج ، فهو استدراك نفي الشيء بإثبات ضده كما يستدرك نفي الإحسان بإثبات الإساءة في قولك : ما أحسن إلي لكن أساء ، والاتفاق في المعنى لا يمنع الوقوع بين طرفي لكن بعد تحقق الاختلاف نفيا وإثباتا في اللفظ ، وبحث فيه بعضهم بأن ( لكن ) تقع بين ضدين أو نقيضين أو مختلفين على قول ووقعت فيما نحن فيه بين متفقين على هذا التقرير فالظاهر أنها للتأكيد كما أثبتوا مجيئها لذلك وفيه نظر : واستظهر بعض المحققين كون الاستدراك من نفس المقدم على نهج ما في الأقيسة الاستثنائية ، والمعنى لو أرادوا الخروج لأعدوا له عدة ولكن ما أرادوه لما أنه تعالى كره انبعاثهم من المفاسد فحبسهم بالجبن والكسل فتثبطوا عنه ولم يستعدوا له .

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل اقعدوا مع القاعدين تمثيل لخلق الله تعالى داعية القعود فيهم وإلقائه سبحانه كراهة الخروج في قلوبهم بالأمر بالقعود أو تمثيل لوسوسة الشيطان بذلك فليس هناك قول حقيقة ، ونظير ذلك قوله سبحانه : فقال لهم الله موتوا ثم أحياهم أي أماتهم ، ويجوز أن يكون حكاية قول بعضهم لبعض أو إذن الرسول صلى الله تعالى عليه وسلم لهم في القعود، فالقول على حقيقته ، والمراد بالقاعدين الذين شأنهم القعود والجثوم في البيوت كالنساء والصبيان والزمنى أو الرجال الذين يكون لهم عذر يمنعهم عن الخروج ، وفيه على بعض الاحتمالات من الذم ما لا يخفى فتدبر .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية