الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                قال سلام عليك سأستغفر لك ربي إنه كان بي حفيا وأعتزلكم وما تدعون من دون الله وأدعو ربي عسى ألا أكون بدعاء ربي شقيا

                                                                                                                                                                                                قال سلام عليك : سلام توديع ومتاركة ؛ كقوله تعالى : لنا أعمالنا ولكم أعمالكم سلام عليكم لا نبتغي الجاهلين [القصص : 55 ] ، وقوله : وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما [الفرقان : 63 ] ؛ وهذا دليل على جواز متاركة المنصوح والحال هذه ، ويجوز أن يكون قد دعا له بالسلامة استمالة له ؛ ألا ترى أنه وعده الاستغفار .

                                                                                                                                                                                                فإن قلت : كيف جاز له أن يستغفر للكافر وأن يعده ذلك ؟

                                                                                                                                                                                                [ ص: 26 ] قلت : قالوا : أراد اشتراط التوبة عن الكفر ، كما ترد الأوامر والنواهي الشرعية على الكفار والمراد اشتراط الإيمان ، وكما يؤمر المحدث والفقير بالصلاة والزكاة ، ويراد اشتراط الوضوء والنصاب ، وقالوا : إنما استغفر له بقوله : واغفر لأبي إنه كان من الضالين [الشعراء : 86 ] ؛ لأنه وعده أن يؤمن ؛ واستشهدوا عليه بقوله تعالى : وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعدها إياه [التوبة : 114 ] ، ولقائل أن يقول : إن الذي منع من الاستغفار للكافر إنما هو السمع ، فأما القضية العقلية فلا تأباه ، فيجوز أن يكون الوعد بالاستغفار والوفاء به قبل ورود السمع ، بناء على قضية العقل ؛ والذي يدل على صحته قوله تعالى : إلا قول إبراهيم لأبيه لأستغفرن لك [الممتحنة : 4 ] ، فلو كان شارطا للإيمان لم يكن مستنكرا ومستثنى عما وجبت فيه الأسوة ، وأما : عن موعدة وعدها إياه فالواعد إبراهيم لا آزر ، أي : ما قال : واغفر لأبي إلا عن قوله : لأستغفرن لك وتشهد له قراءة حماد الراوية : وعدها أباه ، والله أعلم ، "حفيا" الحفي : البليغ في البر والإلطاف ، حفي به وتحفى به ، وأعتزلكم : أراد بالاعتزال المهاجرة إلى الشام ، المراد بالدعاء : العبادة ؛ لأنه منها ومن وسائطها ، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم "الدعاء هو العبادة " ؛ ويدل عليه قوله تعالى : فلما اعتزلهم وما يعبدون من دون الله [مريم : 49 ] ، ويجوز أن يراد الدعاء الذي حكاه الله في سورة الشعراء ، عرض بشقاوتهم بدعاء آلهتهم في قوله : عسى ألا أكون بدعاء ربي شقيا [مريم : 49 ] ، مع التواضع لله بكلمة "عسى" ، وما فيه من هضم النفس .

                                                                                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                                                                                الخدمات العلمية