الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                          [ ص: 262 ] فصل في الكفالة وهي التزام إحضار المكفول به وتصح ببدن من عليه دين وبالأعيان المضمونة ، ولا تصح ببدن من عليه حد أو قصاص ، ولا بغير معين كأحد هذين ، وإن كفل بجزء شائع من إنسان ، أو عضو ، أو كفل بإنسان على أنه إن جاء به ، وإلا فهو كفيل بآخر ، أو ضامن ما عليه ، صح في أحد الوجهين .

                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                          في الكفالة .

                                                                                                                          وهي صحيحة لقوله تعالى : قال لن أرسله معكم حتى تؤتون موثقا من الله لتأتنني به إلا أن يحاط بكم [ يوسف : 66 ] ، ولأن الحاجة داعية إلى الاستيثاق بضمان المال ، أو البدن ، وضمان المال يمتنع منه كثير من الناس ، فلو لم تجز الكفالة بالنفس لأدى إلى الحرج وعدم المعاملات المحتاج إليها .

                                                                                                                          ( وهي التزام ) الرشيد ( إحضار المكفول به ) ، لأن العقد في الكفالة واقع على بدن المكفول به فكان إحضاره هو الملتزم به كالضمان ويعتبر رضا الكفيل وتعيين المكفول به إذا كان عليه حق ، ولا يعتبر إذنه وتنعقد بألفاظ ضمان .

                                                                                                                          ( وتصح ببدن من عليه دين ) ، لأن الدين حق مالي ، فصحت الكفالة به كالضمان سواء كان الدين معلوما ، أو مجهولا ، والحاصل أنه تصح الكفالة ببدن كل من يلزمه الحضور في مجلس الحكم بدين لازم فتصح الكفالة بالصبي ، والمجنون ، لأنه قد يلزم إحضارهما مجلس الحكم للشهادة عليهما بالإتلاف ويستثنى منه دين الكتابة وتصح الكفالة بالكفيل ، فإن برئ الأول برئ الثاني من غير عكس ( وبالأعيان المضمونة ) لصحة ضمانها فيرد أعيانها ، أو قيمتها إن تلفت ، وظاهره أنه لا تصح الكفالة بالأمانات ، لكن قال أبو الخطاب : وإحضار وديعة وكفالة بزكاة وأمانة لنصه فيمن قال : ادفع ثوبك إلى هذا الرفاء ، فأنا ضامنه لا يضمن حتى يثبت أنه دفعه إليه ( ولا تصح ببدن من عليه حد ) لما روى عمرو بن شعيب [ ص: 263 ] عن أبيه عن جده أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " لا كفالة " في حد ، ولأنها استيثاق يلزم الكفيل ما على المكفول به عند تعذر إحضاره ، والحد مبناه على الإسقاط ، والدرء بالشبهة ، فلا يدخل فيه الاستيثاق ، ولا يمكن استيفاؤه من غير الجاني ، وظاهره لا فرق بين أن يكون حقا لله كحد الزنا ، والسرقة ، أو لآدمي كحد القذف ( أو قصاص ) ، لأنه بمنزلة من عليه حد قال في " المحرر " : إلا لأخذ مال كالدية وغرم مالية السرقة فتصح ( ولا بغير معين كأحد هذين ) لأنه غير معلوم في الحال ، ولا في المآل ، ولا يمكن تسليمه بخلاف ضمان المجهول ، وفيه وجه ، ولا تصح الكفالة بالزوجة ، أو الشاهد .

                                                                                                                          ( وإن كفل بجزء شائع من إنسان ، أو عضو ، أو كفل بإنسان على أنه إن جاء به ، وإلا فهو كفيل بآخر ، أو ضامن ما عليه ، صح في أحد الوجهين ) ، وفيه مسائل :

                                                                                                                          الأولى : إذا كفل بجزء شائع من إنسان كثلثه ، أو ربعه فهي صحيحة على المذهب ، لأنه لا يمكن إحضار ذلك إلا بإحضار الكل .

                                                                                                                          الثانية : إذا كفل عضوا معينا منه كيده ، أو رجله فهي صحيحة ، لأنه لا يمكنه إحضاره على صفته إلا بإحضار الكل ، والثاني : لا يصح فيهما ، لأن تسليم ذلك وحده متعذر ، والسراية ممتنعة قال القاضي : لا تصح الكفالة ببعض البدن بحال ، لأن ما لا يشرى لا يصح إذا خص به عضوا كالبيع ، والإجارة ، ذكره في " المغني " ، و " الشرح " قال ابن المنجا : وما ذكره من التعليل لا يدل على عدم الصحة في الجزء الشائع ، لأن بيع ذلك وإجارته جائزة ، وفيه نظر ، لأنهما خصاه بالعضو ، وظاهره لا فرق في العضو بين الوجه ، وغيره سواء كان مما لا يبقى البدن [ ص: 264 ] بدونه كالرأس أو لا كاليد ، وجزم في " الكافي " ، و " الشرح " أنها تصح بالوجه ، لأنه يكنى به عن الكل ، فصح كبدنه ، وجزم في " الوجيز " بأنها تصح فيما تبقى الحياة بدونه لا العكس .

                                                                                                                          الثالثة : إذا كفل بإنسان على أنه إن جاء به ، وإلا فهو كفيل بآخر ، أو ضامن ما عليه ، صح . قاله أبو الخطاب ، وقدمه في " المحرر " ، وجزم به في " الوجيز " ، لأنه كفالة ، أو ضمان ، فصح تعليقه على شرط كضمان العهدة ، وقال القاضي : لا يصح ، لأنه تعليق عقد على آخر ، فلم يصح ، وهذا الخلاف جار فيما إذا علقه بغير سبب الحق ، والخلاف في المؤقت كالمعلق بشرطه ، فلو كفله شهرا لم يصح عند القاضي ، لأنه حق لآدمي ، فلم يجز توقيته كالهبة ، وفي " التنبيه " إذا مضت المدة ، ولم يحضره لزمه ما عليه ، وعند غيرهما لا يلزمه شيء بعد مضي المدة إذا لم يطالبه بإحضاره فيها .

                                                                                                                          فرع : إذا قال : كفلت بدن فلان على أن يبرأ الكفيل لم يصح في الأصح ، لأنه شرط شرطا لا يلزم الوفاء به فيفسد عقد الكفالة ، وفيه وجه ، وقيل : يصح الشرط ، لأنه شرط تحويل الوثيقة فعليه لا تلزمه الكفالة إلا أن يبرأ الكفيل منها .




                                                                                                                          الخدمات العلمية