الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                وإن منكم إلا واردها كان على ربك حتما مقضيا ثم ننجي الذين اتقوا ونذر الظالمين فيها جثيا

                                                                                                                                                                                                وإن منكم : التفات إلى الإنسان ، يعضده قراءة ابن عباس وعكرمة -رضي الله عنهما - : "وإن منهم " ، أو خطاب للناس من غير التفات إلى المذكور ، فإن أريد الجنس كله فمعنى الورود : دخولهم فيها وهي جامدة ، فيعبرها المؤمنون وتنهار بغيرهم ، عن ابن عباس -رضي الله عنه - : يردونها كأنها إهالة ، وروي دواية ، وعن جابر بن عبد الله ؛ أنه سأل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن ذلك ؟ فقال : "إذا دخل أهل الجنة الجنة قال بعضهم لبعض : [ ص: 44 ] أليس قد وعدنا ربنا أن نرد النار ؟ فيقال لهم : قد وردتموها وهي جامدة " ، وعنه -رضي الله عنه- أنه سئل عن هذه الآية ؟ فقال : سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول : "الورود : الدخول ، لا يبقى بر ولا فاجر إلا دخلها ، فتكون على المؤمنين بردا وسلاما ؛ كما كانت على إبراهيم ، حتى إن للنار ضجيجا من بردها " ، وأما قوله تعالى : أولئك عنها مبعدون ، فالمراد : عن عذابها ، وعن ابن مسعود والحسن وقتادة : هو الجواز على الصراط ؛ لأن الصراط ممدود عليها ، وعن ابن عباس : قد يرد الشيء الشيء ولا يدخله ؛ كقوله تعالى : ولما ورد ماء مدين [القصص : 23 ] ، ووردت القافلة البلد ، وإن لم تدخله ولكن قربت منه ، وعن مجاهد : ورود المؤمن النار هو مس الحمى جسده في الدنيا ، بقوله -عليه السلام - : "الحمى من فيح جهنم " ، وفي الحديث : "الحمى [ ص: 45 ] حظ كل مؤمن من النار " ، ويجوز أن يراد بالورود : جثوهم حولها ، وإن أريد الكفار خاصة ، فالمعنى بين .

                                                                                                                                                                                                [ ص: 46 ] الحتم : مصدر حتم الأمر إذا أوجبه ، فسمي به الموجب ؛ كقولهم : خلق الله ، وضرب الأمير ، أي : كان ورودهم واجبا على الله ، أوجبه على نفسه وقضى به ، وعزم على ألا [ ص: 47 ] يكون غيره ، قرئ : "لننجينه " ، و "ننجي" و "ينجي و ينجى " : على ما لم يسم فاعله ، إن أريد الجنس بأسره فهو ظاهر ، وإن أريد الكفرة وحدهم فمعنى : ثم ننجي الذين اتقوا : أن المتقين يساقون إلى الجنة عقيب ورود الكفار ، لا أنهم يواردونهم ثم يتخلصون ، وفي قراءة ابن مسعود وابن عباس والجحدري وابن أبي ليلى : "ثم ننجي " : بفتح الثاء ، أي : هناك ، وقوله : ونذر الظالمين فيها جثيا : دليل على أن المراد بالورود الجثو حواليها ، وأن المؤمنين يفارقون الكفرة إلى الجنة بعد تجاثيهم ، وتبقى الكفرة في مكانهم جاثين .

                                                                                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                                                                                الخدمات العلمية