الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      ومن الأعراب أي من جنسهم الذي نعت بنعت بعض أفراده وقيل: من الفريق المذكور من يتخذ أي يعد ما ينفق أي يصرفه في سبيل الله تعالى ويتصدق به كما يقتضيه المقام مغرما أي غرامة وخسرانا من الغرام بمعنى الهلاك وقيل: من الغرم وهو نزول نائبة بالمال من غير جناية، وأصله من الملازمة ومنه قيل لكل من المتداينين غريم وإنما أعدوه كذلك لأنهم لا ينفقونه احتسابا ورجاء لثواب الله تعالى ليكون لهم مغنما وإنما ينفقونه تقية ورئاء الناس فيكون غرامة محضة وما في صيغة الاتخاذ من معنى الاختيار والانتفاع بما يتخذ إنما هو باعتبار غرض المنفق من الرياء والتقية لا باعتبار ذات النفقة أعني كونها غرامة ويتربص بكم الدوائر أي ينتظر بكم نوب الدهر ومصائبه التي تحيط بالمرء لينقلب بها أمركم ويتبدل بها حالكم فيتخلص مما ابتلي به عليهم دائرة السوء دعاء عليهم بنحو ما يتربصون به وهو اعتراض بين كلامين كما في قوله تعالى: وقالت اليهود يد الله مغلولة غلت أيديهم ولعنوا بما قالوا إلخ وجوز أن تكون الجملة إخبارا عن وقوع ما يتربصون به عليهم والدائرة اسم للنائبة وهي في الأصل مصدر كالعافية والكاذبة أو اسم فاعل من دار يدور وقد تقدم تمام الكلام عليها و السوء في الأصل مصدر أيضا ثم أطلق على كل ضرر وشر وقد كان وصفا للدائرة ثم أضيفت إليه فالإضافة من باب إضافة الموصوف إلى صفته كما في قولك: رجل صدق وفيه من المبالغة ما فيه، وعلى ذلك قوله تعالى: ما كان أبوك امرأ سوء وقيل: معنى الدائرة يقتضي معنى السوء فالإضافة للبيان والتأكيد كما قالوا: شمس النهار ولحيا رأسه . وقرأ ابن كثير وأبو عمرو (السوء) هنا وفي ثانية الفتح بالضم وهو حينئذ اسم بمعنى العذاب وليس بمصدر كالمفتوح وبذلك فرق الفراء بينهما: وقال أبو البقاء : السوء بالضم الضرر وهو مصدر في الحقيقة يقال: سؤته سوءا ومساءة ومسائية وبالفتح الفساد والرداءة وكأنه يقول بمصدرية كل منهما في الحقيقة كما فهمه الشهاب من كلامه وقال مكي : المفتوح معناه الفساد والمضموم معناه الهزيمة والضرر وظاهره كما قيل: إنهما اسمان والله سميع بمقالاتهم الشنيعة عند الإنفاق عليم بنياتهم الفاسدة التي من جملتها أن يتربصوا بكم الدوائر، وفيه من شدة الوعيد [ ص: 6 ] ما لا يخفى

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية