[ ص: 498 ] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
تَفْسِيرُ سُورَةُ الشُّورَى
هَذِهِ السُّورَةُ مَكِّيَّةٌ بِإِجْمَاعٍ مِنْ أَكْثَرِ الْمُفَسِّرِينَ، وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=17131مُقَاتِلٌ : فِيهَا مَدَنِيٌّ: [قَوْلُهُ تَعَالَى]
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=23ذَلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللَّهُ عِبَادَهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِلَى قَوْلِهِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=24بِذَاتِ الصُّدُورِ ، وَقَوْلُهُ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=39وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=41مِنْ سَبِيلٍ ، وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فِي كِتَابِ
nindex.php?page=showalam&ids=13968الثَّعْلَبِيِّ : إِنَّ
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=1حم nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=2تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ هَذِهِ الْحُرُوفُ بِأَعْيَانِهَا نَزَلَتْ فِي كُلِّ كُتُبِ اللَّهِ تَعَالَى الْمُنَزَّلَةِ عَلَى كُلِّ نَبِيٍّ أَنْزَلَ عَلَيْهِ الْكِتَابَ، وَلِذَلِكَ قَالَ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=3كَذَلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ اللَّهُ .
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ:
nindex.php?page=treesubj&link=32450_34237_29013nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=1حم nindex.php?page=treesubj&link=32450_34237_29013nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=2عسق nindex.php?page=treesubj&link=28723_31011_29013nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=3كَذَلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ nindex.php?page=treesubj&link=28723_29687_29013nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=4لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ nindex.php?page=treesubj&link=28723_28734_29694_29747_33076_33133_34093_34513_29013nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=5تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْ فَوْقِهِنَّ وَالْمَلائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الأَرْضِ أَلا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ
فُصِلَتْ: [حم] مِنْ [عسق] وَلَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ بِـ[كهيعص] لِتُجْرِيَ هَذِهِ مَجْرَى الْحَوَامِيمِ أَخَوَاتِهَا، وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ: "حم عسق"، وَقَرَأَ
nindex.php?page=showalam&ids=10ابْنُ مَسْعُودٍ ،
nindex.php?page=showalam&ids=11وَابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: [حم سق] بِسُقُوطِ "عَيْنٍ"، وَالْأَقْوَالُ فِي هَذِهِ كَالْأَقْوَالِ فِي أَوَائِلِ السُّورِ، وَرَوَى
nindex.php?page=showalam&ids=21حُذَيْفَةُ حَدِيثًا فِي هَذَا مُضَمِّنُهُ
أَنَّهُ سَيَكُونُ فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ مَدِينَتَانِ يَشُقُّهُمَا نَهْرٌ بِالْمَشْرِقِ، تَهْلَكُ إِحْدَاهُمَا لَيْلًا ثُمَّ تُصْبِحُ الْأُخْرَى سَالِمَةً، فَيَجْتَمِعُ فِيهَا جَبَابِرَةُ الْمَدِينَتَيْنِ مُتَعَجِّبِينَ مِنْ سَلَامَتِهَا، فَتَهْلَكُ مِنَ اللَّيْلَةِ الْقَابِلَةِ، وَأَنَّ "حم" مَعْنَاهُ: حُمَّ هَذِهِ الْأَمْرُ، وَ"عَيْنٌ" مَعْنَاهُ:
[ ص: 499 ] عَدْلًا مِنَ اللَّهِ، وَ"سِينُ": سَيَكُونُ ذَلِكَ، وَ"قَافٌ": مَعْنَاهُ: يَقَعُ ذَلِكَ بِهِمْ. وَرُوِيَ أَنَّ
nindex.php?page=showalam&ids=8عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَانَ يَسْتَفِيدُ عِلْمَ الْفِتَنِ وَالْحُرُوبِ مِنْ هَذِهِ الْأَحْرُفِ الَّتِي فِي أَوَائِلِ السُّورِ.
وَالْكَافُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=3 "كَذَلِكَ" نَعْتٌ لِمَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ، وَالْإِشَارَةُ بِـ"ذَلِكَ" تَخْتَلِفُ بِحَسَبِ الْأَقْوَالِ فِي الْحُرُوفِ، وَقَرَأَ جُمْهُورُ الْقُرَّاءِ: "يُوحِي" بِالْيَاءِ عَلَى إِسْنَادِ الْفِعْلِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى، وَهِيَ قِرَاءَةُ
nindex.php?page=showalam&ids=14102الْحَسَنِ، nindex.php?page=showalam&ids=13723وَالْأَعْرَجِ ،
nindex.php?page=showalam&ids=11962وَأَبِي جَعْفَرٍ ،
وَالْجَحْدَرِيِّ، nindex.php?page=showalam&ids=16748وَعِيسَى ،
nindex.php?page=showalam&ids=16258وَطَلْحَةَ ،
nindex.php?page=showalam&ids=13726وَالْأَعْمَشِ ، وَقَرَأَ
أَبُو حَيْوَةَ، وَالْأَعْشَى عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=11948أَبِي بَكْرٍ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=16273عَاصِمٍ : "نُوحِي" بِنُونِ الْعَظَمَةِ، وَيَكُونُ قَوْلُهُ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=3 "اللَّهُ" ابْتِدَاءً وَخَبَرُهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=3 "الْعَزِيزُ"، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ خَبَرَهُ:
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=4لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ ، وَقَرَأَ
nindex.php?page=showalam&ids=16456ابْنُ كَثِيرٍ وَحْدَهُ: "يُوحَى" بِالْيَاءِ وَفَتْحِ الْحَاءِ عَلَى بِنَاءِ الْفِعْلِ لِلْمَفْعُولِ، وَهِيَ قِرَاءَةُ
nindex.php?page=showalam&ids=16879مُجَاهِدٍ ، وَالتَّقْدِيرُ: يُوحَى إِلَيْكَ الْقُرْآنُ، يُوحِيهِ اللَّهُ تَعَالَى، وَكَمَا قَالَ الشَّاعِرُ:
لِيُبْكَ يَزِيدُ ضَارَعٌ لِخُصُومَةٍ
وَمَنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=36يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=37رِجَالٌ ، وَقَوْلُهُ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=3وَإِلَى [ ص: 500 ] الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُ: مِنَ الْأَنْبِيَاءِ الَّذِينَ نَزَلَتْ عَلَيْهِمُ الْكُتُبُ.
وَقَوْلُهُ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=4لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ أَيِ الْمُلْكِ وَالْخَلْقِ وَالِاخْتِرَاعِ، وَ"الْعَلِيُّ" مِنْ عُلُوِّ الْقَدْرِ وَالسُّلْطَانِ، وَ"الْعَظِيمُ" كَذَلِكَ، وَلَيْسَ بِعُلُوِّ مَسَافَةً وَلَا عِظَمَ جِرْمٍ، تَعَالَى اللَّهُ عَنْ ذَلِكَ. وَقَرَأَ
nindex.php?page=showalam&ids=17192نَافِعٌ ،
nindex.php?page=showalam&ids=15080وَالْكِسَائِيُّ : "يَكَادُ" بِالْيَاءِ، وَقَرَأَ
nindex.php?page=showalam&ids=16456ابْنُ كَثِيرٍ ،
nindex.php?page=showalam&ids=16447وَابْنُ عَامِرٍ ،
nindex.php?page=showalam&ids=15760وَحَمْزَةُ ،
nindex.php?page=showalam&ids=12114وَأَبُو عَمْرُو ،
nindex.php?page=showalam&ids=16273وَعَاصِمٌ : "تَكَادُ" بِالتَّاءِ، وَقَرَأَ
nindex.php?page=showalam&ids=16456ابْنُ كَثِيرٍ ،
nindex.php?page=showalam&ids=16447وَابْنُ عَامِرٍ ،
nindex.php?page=showalam&ids=15760وَحَمْزَةُ ،
nindex.php?page=showalam&ids=15080وَالْكِسَائِيُّ ،
nindex.php?page=showalam&ids=17192وَنَافِعٌ ،
nindex.php?page=showalam&ids=11وَابْنُ عَبَّاسٍ ،
nindex.php?page=showalam&ids=11962وَأَبُو جَعْفَرٍ ،
وَشَيْبَةُ ،
nindex.php?page=showalam&ids=16815وَقَتَادَةُ : "يَتَفَطَّرْنَ" مِنْ "التَّفَطُّرِ"، وَهُوَ مُطَاوِعُ "فَطَّرَ"، وَقَرَأَ
nindex.php?page=showalam&ids=12114أَبُو عَمْرُو ،
nindex.php?page=showalam&ids=16273وَعَاصِمٌ ،
nindex.php?page=showalam&ids=14102وَالْحَسَنُ ،
nindex.php?page=showalam&ids=13723وَالْأَعْرَجُ ،
nindex.php?page=showalam&ids=12004وَأَبُو رَجَاءٍ ،
وَالْجَحْدَرِيُّ: [يَنْفَطِرْنَ] مِنْ "الْانْفِطَارِ"، وَهُوَ مُطَاوِعُ "فَطَّرَ"، وَالْمَعْنَى فِيهِمَا: يَتَصَدَّعْنَ وَيَتَشَقَّقْنَ مِنْ سُرْعَةِ جَرْيِهِنَّ خُضُوعًا وَخَشْيَةً مِنْ سُلْطَانِ اللَّهِ تَعَالَى، وَتَعْظِيمًا لَهُ وَطَاعَةً، وَمَا وَقَعَ لِلْمُفَسِّرِينَ هُنَا مِنْ ذِكْرِ الثُّقْلِ وَنَحْوَهُ مَرْدُودٌ، وَذَلِكَ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَا يُوصَفُ بِهِ، وَقَوْلُهُ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=5مِنْ فَوْقِهِنَّ أَيْ: مِنْ أَعْلَاهُنَّ، وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=13676الْأَخْفَشُ عَلِيُّ بْنُ سُلَيْمَانَ : الضَّمِيرُ لِلْكُفَّارِ.
قَالَ
الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ:
وَالْمَعْنَى: مِنْ فَوْقِ الْفِرَقِ وَالْجَمَاعَاتِ الْمُلْحِدَةِ الَّتِي مِنْ أَجْلِ أَقْوَالِهَا تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ، فَهَذِهِ الْآيَةُ - عَلَى هَذَا - كَالْآيَةِ الَّتِي فِي
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=1 "كهيعص"، وَقَالَتْ فِرْقَةٌ: مَعْنَاهُ: مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِينَ، إِذْ قَدْ جَرَى ذِكْرُ الْأَرْضِ، وَذَكَرَ
nindex.php?page=showalam&ids=14416الزَّجَّاجُ أَنَّهُ قُرِئَ: "يَتَفَطَّرُنَّ مِمَّنْ فَوْقَهُنَّ".
وَقَوْلُهُ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=5يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ قِيلَ: مَعْنَاهُ: يَقُولُونَ سُبْحَانَ اللَّهِ، وَقِيلَ مَعْنَاهُ: يُصَلُّونَ لِرَبِّهِمْ، وَقَوْلُهُ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=5وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الأَرْضِ ، قَالَتْ فِرْقَةٌ: هَذَا مَنْسُوخٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى فِي آيَةٍ أُخْرَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=7وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا .
[ ص: 501 ] قَالَ
الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ:
وَهَذَا قَوْلٌ ضَعِيفٌ; لِأَنَّ النَّسْخَ لَا يَتَصَوَّرُ فِي الْأَخْبَارِ.
وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14468السُّدِّيُّ مَا مَعْنَاهُ: إِنَّ ظَاهَرَ الْآيَةِ الْعُمُومُ، وَمَعْنَاهَا الْخُصُوصُ فِي الْمُؤْمِنِينَ، فَكَأَنَّهُ قَالَ: وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ، إِذِ الْكُفَّارُ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةُ وَالنَّاسُ أَجْمَعِينَ، وَقَالَتْ فِرْقَةٌ: بَلْ هِيَ عَلَى عُمُومِهَا، لَكِنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=33076اسْتِغْفَارَ الْمَلَائِكَةِ لَيْسَ بِطَلَبِ غُفْرَانِ اللَّهِ تَعَالَى لِلْكَفَرَةِ عَلَى أَنْ يَبْقَوْا كَفَرَةً، وَإِنَّمَا اسْتِغْفَارُهُمْ لَهُمْ بِمَعْنَى طَلَبِ الْهِدَايَةِ الَّتِي تُؤَدِّي إِلَى الْغُفْرَانِ لَهُمْ، وَكَأَنَّ الْمَلَائِكَةَ تَقُولُ: اللَّهُمَّ، اهْدِ أَهْلَ الْأَرْضِ وَاغْفِرْ لَهُمْ، وَيُؤَيِّدُ هَذَا التَّأْوِيلُ تَأْكِيدَهُ صِفَةَ الْغُفْرَانِ وَالرَّحْمَةَ لِنَفْسِهِ بِالِاسْتِفْتَاحِ، وَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=5أَلا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ، أَيْ لَمَّا كَانَ الِاسْتِغْفَارُ لِجَمِيعِ مَنْ فِي الْأَرْضِ يَبْعُدُ أَنْ يُجَابَ رَجَّى عَزَّ وَجَلَّ بِأَنِ اسْتَفْتَحَ الْكَلَامَ تَهْيِئَةً لِنَفْسِ السَّامِعِ، فَقَالَ تَعَالَى: أَلَا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الَّذِي يَطْلُبُ هَذَا مِنْهُ إِذْ هَذِهِ أَوْصَافُهُ، وَهُوَ سُبْحَانَهُ أَهْلُ الْمَغْفِرَةِ.