الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                                                                                          [ ص: 110 ] كتاب اللقطة والضالة والآبق 1383 - مسألة : من وجد مالا في قرية - أو مدينة ، أو صحراء في أرض العجم ، أو أرض العرب العنوة أو الصلح مدفونا أو غير مدفون إلا أن عليه علامة أنه من ضرب مدة الإسلام - أو وجد مالا - قد سقط - أي مال كان - : فهو لقطة ، وفرض عليه أخذه ، وأن يشهد عليه عدلا واحدا فأكثر ، ثم يعرفه ولا يأتي بعلامته ، لكن تعريفه هو أن يقول في المجامع الذي يرجو وجود صاحبه فيها أو لا يرجو : من ضاع له مال فليخبر بعلامته ، فلا يزال كذلك سنة قمرية ، فإن جاء من يقيم عليه بينة ، أو من يصف عفاصه ويصدق في صفته ، ويصف وعاءه ويصدق فيه ، ويصف رباطه ويصدق فيه ، ويعرف عدده ويصدق فيه ، أو يعرف ما كان له من هذا .

                                                                                                                                                                                          أما العدد ، والوعاء ، إن كان لا عفاص له ولا وكاء ، أو العدد إن كان منثورا في غير وعاء - : دفعها إليه - كانت له بينة أو لم تكن .

                                                                                                                                                                                          ويجبر الواجد على دفعه إليه ولا ضمان عليه بعد ذلك .

                                                                                                                                                                                          ولو جاء من يثبته ببينة فإن لم يأت أحد يصدق في صفته بما ذكرنا ولا بينة فهو عند تمام السنة مال من مال الواجد - غنيا كان أو فقيرا يفعل فيه ما شاء ، ويورث عنه ، إلا أنه متى قدم من يقيم فيه بينة أو يصف شيئا مما ذكرنا فيصدق ضمنه له - إن كان حيا ، أو ضمنه له الورثة - إن كان الواجد له ميتا .

                                                                                                                                                                                          فإن كان ما وجد شيئا واحدا كدينار واحد ، أو درهم واحد ، أو لؤلؤة واحدة ، أو ثوب واحد ، أو أي شيء كان كذلك لا رباط له ، ولا وعاء ، ولا عفاص - : فهو للذي يجده من حين يجده ويعرفه أبدا طول حياته ، فإن جاء من يقيم عليه بينة قط : ضمنه له [ ص: 111 ] فقط - هو أو ورثته بعده - وإلا فهو له ، أو لورثته يفعل فيه ما شاء من بيع أو غيره ، وكذلك ورثته بعده ولا يرد ما أنفذوا فيه .

                                                                                                                                                                                          فإن كان ذلك في حرم مكة حرسها الله تعالى ، أو في رفقة قوم ناهضين إلى العمرة أو الحج : عرف أبدا ، ولم يحل له تملكه ، بل يكون موقوفا - فإن يئس بيقين عن معرفة صاحبه فهو في جميع مصالح المسلمين .

                                                                                                                                                                                          برهان ذلك - : ما رويناه من طريق مسلم نا إسحاق بن منصور نا عبيد الله بن موسى العبسي عن شيبان عن يحيى - هو ابن أبي كثير - أخبرني أبو سلمة - هو ابن عبد الرحمن بن عوف - أخبرني أبو هريرة قال { : خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم عام فتح مكة فقال : إن الله حبس عن مكة الفيل ، وسلط عليها نبيه والمؤمنين ، ألا وإنها لم تحل لأحد قبلي ، ولا تحل لأحد بعدي ، ألا وإنها أحلت لي ساعة من النهار ، ألا وإنها ساعتي هذه حرام ، لا يخبط شوكها ، ولا يعضد شجرها ولا يلتقط ساقطتها إلا منشد } .

                                                                                                                                                                                          قال أبو محمد : مكة هي الحرم كله فقط ، وهي ذات الحرمة المذكورة ، لا ما عدا الحرم بلا خلاف - .

                                                                                                                                                                                          ورويناه أيضا عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم أيضا .

                                                                                                                                                                                          ومن طريق مسلم ني أبو الطاهر نا ابن وهب أخبرني عمرو بن الحارث عن بكير بن عبد الله بن الأشج عن يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب عن عبد الرحمن بن عثمان التيمي : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم { نهى عن لقطة الحاج }

                                                                                                                                                                                          قال أبو محمد : الحج في اللغة هو القصد ، ومنه سميت المحجة محجة ، فالقاصد من بيته إلى الحج أو العمرة هو فاعل للقصد الذي هو الحج إلى أن يتم جميع أعمال حجه أو عمرته لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : { دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة } فإذا تمت فليس حاجا ، لكنه كان حاجا ، وقد حج - وبالله تعالى التوفيق . [ ص: 112 ] وروينا هذا عن عمر بن الخطاب ، وابن المسيب .

                                                                                                                                                                                          روينا من طريق الحجاج بن المنهال نا الأسود بن شيبان عن أبي نوفل - هو ابن أبي عقرب - عن أبيه أنه أصاب بدرة بالموسم على عهد عمر بن الخطاب فعرفها فلم يعرفها أحد فأتى بها عمر عند النفر وقال له : قد عرفتها فأغنها عني قال : ما أنا بفاعل قال : يا أمير المؤمنين فما تأمرني ؟ قال : أمسكها حتى توافي بها الموسم قابلا ففعل ، فعرفها فلم يعرفها أحد ، فأتى بها عمر فأخبره : أنه قد وافاه بها كما أمره ، وعرفها فلم يعرفها أحد ، وقال له : أغنها عني ؟ قال له عمر : ما أنا بفاعل ، ولكن إن شئت أخبرتك بالمخرج منها ، أو سبيلها : إن شئت تصدقت بها ، فإن جاء صاحبها خيرته ، فإن اختار المال رددت عليه المال ، وكان الأجر لك ، وإن اختار الأجر كان لك نيتك فهذا فعل عمر في لقطة الموسم .

                                                                                                                                                                                          وفعل في لقطة غير الموسم ما رويناه من طريق عبد الرزاق عن ابن جريج أخبرني إسماعيل بن أمية أن معاوية بن عبد الله بن بدر الجهني أخبره ، أن أباه عبد الله - قال إسماعيل : وقد سمعت أن له صحبة - أقبل من الشام فوجد صرة فيها ذهب مائة فأخذها ، فجاء بها إلى عمر بن الخطاب ؟ فقال له عمر : انشدها الآن على باب المسجد ثلاثة أيام ، ثم عرفها سنة ، فإن اعترفت ، وإلا فهي لك ، قال : فعلت فلم تعرف ، فقسمتها بين امرأتين لي .

                                                                                                                                                                                          ومن طريق الحجاج بن المنهال نا أبو عوانة عن قتادة قال : كنت أطوف بالبيت فوطئت على ذهب ، أو فضة ، فلم آخذه ، فذكرت ذلك لسعيد بن المسيب ؟ فقال : بئس ما صنعت ، كان ينبغي لك أن تأخذه تعرفه سنة ، فإن جاء صاحبه رددته إليه ، وإلا تصدقت به على ذي فاقة ممن لا تعول .

                                                                                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                                                                                          الخدمات العلمية