الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ذكر يوشع بن نون عليه السلام]

وهو يوشع بن نون بن أفرائيم بن يوسف بن يعقوب .

وقد ذكر أن الله تعالى جعل يوشع نبيا في زمن موسى ، فلما توفي موسى ابتعثه الله تعالى ، فأقام لبني إسرائيل أحكام التوراة ، وهو الذي قسم الشام بين بني إسرائيل ، وهو الذي أخرج الله له نهر الأردن ، وأمره الله تعالى بالمسير إلى أريحا لحرب من فيها من الجبارين ، وهي التي امتنع بنو إسرائيل من دخولها فعوقبوا بالتيه . ومات موسى وهارون في التيه ، ومات الكل سوى يوشع وكالب .

وإنما دخل يوشع بأبنائهم ، فقاتل الجبارين فهزمهم ، واقتحم أصحابه عليهم يقتلونهم ، فكانت العصابة من بني إسرائيل يجتمعون على عنق الرجل يضربونها لا يقطعونها ، وكان القتال يوم الجمعة ، حتى إذا أمسوا وقاربت الشمس الغروب خافوا من دخول السبت ، فقال يوشع: اللهم احبس الشمس ، فوقفت بينها وبين الغروب قيد رمح ، فثبتت مقدار ساعة حتى افتتحها وقتل أعداءه وهدم أريحاء ومدائن الملوك ، وجمع غنائمهم ، وأمرهم يوشع أن يقربوا الغنيمة فقربوها فلم تنزل النار لأكلها ، فقال يوشع لهم: فبايعوني .

أخبرنا هبة الله بن محمد ، قال: أخبرنا الحسن بن علي التميمي ، قال: أخبرنا أحمد بن جعفر ، قال: حدثنا عبد الله بن أحمد ، قال: حدثني أبي ، قال: حدثنا عبد الرزاق ، قال: حدثنا معمر ، عن همام بن منبه ، قال: حدثنا أبو هريرة ، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "غزا نبي من الأنبياء ، فقال لقومه: لا يتبعني رجل قد ملك بضع امرأة وهو يريد أن يبني بها ولما يبن ،ولا آخر قد بنى بيوتا ولم يرفع سقفها ، ولا آخر قد اشترى غنما أو خلفات وهو ينتظر أولادها ، فغزا ، فدنا إلى القرية حتى صلى العصر أو قريبا من ذلك . فقال للشمس: أنت مأمورة وأنا مأمور ، اللهم احبسها علي فحبست عليه حتى فتح الله عليه ، فجمعوا ما غنموا ، فأقبلت النار لتأكله فأبت أن تطعمه ، فقال: فيكم غلول [ ص: 378 ] فليبايعني من كل قبيلة رجل ، فبايعوه فلصقت يد رجل بيده ، فقال: فيكم الغلول ، أنتم غللتم . فأخرجوا له مثل رأس بقرة من ذهب . قال: فوضعوه بالمال وهو بالصعيد فأقبلت النار فأكلته . فلم تحل الغنائم لأحد من قبلنا ، ذلك بأن الله عز وجل رأى ضعفنا وعجزنا فطيبها لنا" أخرجاه في الصحيحين .

ويوشع هذا هو الذي حارب العماليق وعليهم السميدع بن هوبر فالتقوا بأيلة فقتل السميدع وأكثر العماليق ، وقد ذكرنا أن موسى حارب الجبارين ، والله أعلم .

أنبأنا أحمد بن علي المجلي ، قال: أخبرنا أبو بكر الخطيب ، قال: أخبرنا أبو الحسين بن بشران ، قال: أخبرنا ابن صفوان ، قال: حدثنا عبد الله بن محمد القرشي ، قال: حدثني محمد بن الحسين ، قال: حدثني محمد بن بسطام ، قال: حدثنا جعفر بن سليمان ، قال: حدثني إبراهيم بن عمرو الصنعاني ، قال: أوحى الله عز وجل إلى يوشع بن نون: إني مهلك من قومك أربعين ألفا من خيارهم ، وستين ألفا من شرارهم . قال: يا رب فما بال الأخيار؟ قال: إنهم لم يغضبوا لغضبي ، وكانوا يؤاكلونهم ويشاربونهم .

وزعم هشام بن محمد الكلبي: أن بقية بقيت من الكنعانيين بعد قتل يوشع من قتل منهم ، وأن إفريقيش بن قيس بن صيفي بن سبأ بن كعب مر بهم متوجها إلى إفريقية ، فاحتلها وقتل ملوكها وأسكنها البقية التي بقيت من الكنعانيين ، فهم البرابرة ، وإنما سموا بربرا لأن إفريقيش قال لهم: ما أكثر بربرتكم ، فسموا لذلك بربرا .

فقالوا: ونهض يوشع إلى بعض الملوك فقاتله فغلبه وصلبه على خشبة وأحرق المدينة ، وقتل من أهلها اثني عشر ألفا .

واحتال أهل بلد آخر حتى جعل لهم أمانا فظهر على باطنهم ، فدعا الله عليهم أن [ ص: 379 ] يكونوا حطابين وسقاءين ، فكانوا كذلك . وهرب خمسة من الملوك فاختفوا في غار ، فأمر يوشع بسد باب الغار حتى فرغ من أعدائه ، ثم أخرجهم فقتلهم وصلبهم .

وتتبع سائر الملوك واستباح منهم واحدا وثلاثين ملكا ، وقسم الأرض التي غلب عليها .

ثم مات يوشع عليه السلام ، وكان عمره مائة سنة وعشر سنين ، وقيل: مائة وعشرين سنة . ودفن في جبل إفراييم ، وكان تدبيره أمر بني إسرائيل بعد أن توفي موسى إلى أن توفي هو سبعا وعشرين سنة ، وذلك كله من زمان منوشهر عشرين سنة ، ومن زمان أفراسياب سبع سنين .

التالي السابق


الخدمات العلمية