الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
القول في تأويل قوله ( ياأيها الذين آمنوا لا تحلوا شعائر الله )

قال أبو جعفر : اختلف أهل التأويل في معنى قول الله : " لا تحلوا شعائر الله " .

فقال بعضهم معناه : لا تحلوا حرمات الله ، ولا تتعدوا حدوده كأنهم وجهوا"الشعائر" إلى المعالم ، وتأولوا"لا تحلوا شعائر الله" ، معالم حدود الله ، وأمره ونهيه وفرائضه .

[ ذكر من قال ذلك ] :

10938 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا عبد الوهاب الثقفي قال : حدثنا حبيب المعلم ، عن عطاء : أنه سئل عن"شعائر الله" فقال : حرمات الله ، اجتناب سخط الله ، واتباع طاعته ، فذلك"شعائر الله" .

[ ص: 463 ]

وقال آخرون : معنى ذلك : لا تحلوا حرم الله فكأنهم وجهوا معنى قوله : "شعائر الله" ، أي : معالم حرم الله من البلاد .

ذكر من قال ذلك :

10939 - حدثنا محمد بن الحسين قال : حدثنا أحمد بن المفضل قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : "يا أيها الذين آمنوا لا تحلوا شعائر الله" ، قال : أما"شعائر الله" ، فحرم الله .

وقال آخرون : معنى ذلك : لا تحلوا مناسك الحج فتضيعوها وكأنهم وجهوا تأويل ذلك إلى : لا تحلوا معالم حدود الله التي حدها لكم في حجكم .

ذكر من قال ذلك :

10940 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج قال : قال ابن جريج ، قال ابن عباس قوله : "لا تحلوا شعائر الله" ، قال : مناسك الحج .

10941 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو صالح قال : حدثنا معاوية ، عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس قوله : "يا أيها الذين آمنوا لا تحلوا شعائر الله" ، قال : كان المشركون يحجون البيت الحرام ، ويهدون الهدايا ، ويعظمون حرمة المشاعر ، ويتجرون في حجهم ، فأراد المسلمون أن يغيروا عليهم ، فقال الله عز وجل : "لا تحلوا شعائر الله" .

10942 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قول الله : "شعائر الله" ، الصفا والمروة ، والهدي ، والبدن ، كل هذا من"شعائر الله" . [ ص: 464 ]

10943 - حدثني المثنى قال : حدثني أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .

وقال آخرون : معنى ذلك : لا تحلوا ما حرم الله عليكم في حال إحرامكم .

ذكر من قال ذلك :

10944 - حدثنا محمد بن سعد قال : حدثني أبي قال : حدثني عمي قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله : "لا تحلوا شعائر الله" ، قال : "شعائر الله" ، ما نهى الله عنه أن تصيبه وأنت محرم .

وكأن الذين قالوا هذه المقالة ، وجهوا تأويل ذلك إلى : لا تحلوا معالم حدود الله التي حرمها عليكم في إحرامكم .

قال أبو جعفر : وأولى التأويلات بقوله : "لا تحلوا شعائر الله" ، قول عطاء الذي ذكرناه من توجيهه معنى ذلك إلى : لا تحلوا حرمات الله ولا تضيعوا فرائضه .

لأن"الشعائر" جمع"شعيرة" ، "والشعيرة""فعيلة" من قول القائل : "قد شعر فلان بهذا الأمر" ، إذا علم به . ف"الشعائر" ، المعالم ، من ذلك .

وإذا كان ذلك كذلك ، كان معنى الكلام : لا تستحلوا ، أيها الذين آمنوا ، معالم الله فيدخل في ذلك معالم الله كلها في مناسك الحج : من تحريم ما حرم الله إصابته فيها على المحرم ، وتضييع ما نهى عن تضييعه فيها ، وفيما حرم من استحلال حرمات حرمه ، وغير ذلك من حدوده وفرائضه ، وحلاله وحرامه ، لأن [ ص: 465 ] كل ذلك من معالمه وشعائره التي جعلها أمارات بين الحق والباطل ، يعلم بها حلاله وحرامه ، وأمره ونهيه .

وإنما قلنا ذلك القول أولى بتأويل قوله تعالى : "لا تحلوا شعائر الله" ، لأن الله نهى عن استحلال شعائره ومعالم حدوده وإحلالها نهيا عاما ، من غير اختصاص شيء من ذلك دون شيء ، فلم يجز لأحد أن يوجه معنى ذلك إلى الخصوص إلا بحجة يجب التسليم لها ، ولا حجة بذلك كذلك .

التالي السابق


الخدمات العلمية