الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
باب حكم قطاع الطريق

م1 - واختلفوا: في حد قطاع الطريق:

فقال أبو حنيفة، والشافعي، وأحمد: هو على الترتيب.

وقال مالك: ليس هو على الترتيب، بل هو على صفة قاطع الطريق، وللإمام اجتهاده فيما يراه من القتل، أو الصلب، أو قطع اليد والرجل من خلاف، أو النفي، أو الحبس.

ثم اختلف: القائلون بأن حدود قطاع الطريق على الترتيب في كيفيته: فقال أبو حنيفة: [ ص: 65 ] إن أخذوا المال وقتلوا، فالإمام بالخيار، إن شاء قطع أيديهم وأرجلهم من خلاف، أو قتلهم، أو صلبهم، وإن شاء صلبهم، وإن شاء قتلهم ولم يصلبهم، وصفة الصلب عنده: أن يصلب الواحد منهم حيا، ويبعج بطنه برمح إلى أن يموت، ولا يصلب أكثر من ثلاثة أيام، وقد رويت عنه رواية أخرى في صفة الصلب، أنه يقتل، ثم يصلب مقتولا، فإن قتلوا ولم يأخذوا المال، قتلهم الإمام حدا، وإن عفا الأولياء عنهم لم يلتفت إلى قولهم فإن أخذوا مالا لمسلم أو ذمي والمأخوذ لو قسم على جماعتهم أصاب كل واحد عشرة دراهم فصاعدا، أو ما قيمته ذلك - قطع الإمام أيديهم وأرجلهم من خلاف، فإن أخذوا قبل أن يأخذوا مالا ولا قتلوا نفسا: حبسهم الإمام حتى يحدثوا توبة أو يموتوا وهذه صفة النفي عنده.

وقال مالك: إذا أخذ المحاربون فعل الإمام فيهم ما يراه حكومة، ويجتهد فيه، فمن كان منهم ذا رأي وقوة: قتله، ومن كان منهم ذا قوة وجلد فقط: قطعه من [ ص: 67 ] خلاف، ومن كان منهم لا رأي ولا قوة: نفاه، وفي الجملة - عنده - أنه يجوز للإمام قتلهم، وقطعهم، وصلبهم وإن لم يقتلوا ولم يأخذوا مالا فعل ما يراه أردع لهم ولأمثالهم، وصفة النفي عنده: أن يخرجوا من البلد الذي كانوا فيه إلى غيره من البلاد ويحبسوا فيه، وصفة الصلب في مذهبه لمن رأى الإمام أن يجمع بين قتله وصلبه أن يصلب حيا ثم يقتل، وكيفية الصلب عنده كمذهب أبي حنيفة.

وقال الشافعي وأحمد: إذا أخذ المحاربون قبل أن يقتلوا نفسا، أو يأخذوا مالا نفوا.

واختلفا في صفة النفي; فقال الشافعي: نفيهم أن يطلبوا إذا هربوا ليقام عليهم الحد: إن أتوا حدا.

وعن أحمد روايتان: إحداهما كهذا القول، والأخرى: نفيهم أن يشردوا، فلا يتركوا يأوون في بلد، فإن أخذوا المال ولم يقتلوا: فقالا: تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف ثم يحسمون ويخلون.

فإن قتلوا ولم يأخذوا المال، فقالا: يجب قتلهم حتما، فإن قتلوا وأخذوا المال، [ ص: 68 ] فقال: يجب قتلهم وصلبهم حتما، ولا يجب قطعهم، والصلب - عندهما بعد القتل.

وقد روي عن بعض أصحاب الشافعي: أنه يصلب حيا، ويمنع الطعام والشراب حتى يموت، قال الشيخ أبو إسحاق في "التنبيه": والأول أصح.

واختلفا في مدة الصلب; فقال الشافعي: ثلاثة أيام.

وقال أحمد: يصلب ما يقع عليه الاسم ويترك.

التالي السابق


الخدمات العلمية