الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

بيان تلبيس الجهمية في تأسيس بدعهم الكلامية

ابن تيمية - أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني

صفحة جزء
فصل

قال الرازي: احتجوا بالآيات والأخبار والمعقول، أما الآيات فكثيرة.

وقد ذكر منها أربع عشرة آية، أحدها قوله تعالى: أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها [محمد: 24]. أمر الناس بالتدبر في القرآن، ولو كان القرآن غير مفهوم فكيف يأمرنا بالتدبر فيه؟

الثاني قوله تعالى: أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا [النساء: 82]. فكيف يأمرنا بالتدبر فيه لمعرفة نفي التناقض والاختلاف، مع [ ص: 219 ] أنه غير مفهوم للخلق.

الثالث: قوله تعالى: وإنه لتنزيل رب العالمين نزل به الروح الأمين على قلبك لتكون من المنذرين بلسان عربي مبين [الشعراء: 192-195]. ولو لم يكن مفهوما فكيف يمكن أن يكون الرسول منذرا به؟

وأيضا قوله: بلسان عربي مبين [الشعراء: 195]. يدل على أنه نازل بلغة العرب، وإذا كان كذلك وجب أن يكون معلوما.

الرابع: قوله تعالى: لعلمه الذين يستنبطونه منهم [النساء: 83]. والاستنباط منه لا يكون إلا بعد الإحاطة بمعناه.

قلت: هذا المذكور في قوله تعالى: وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم [النساء: 83]. ليس المراد به القرآن. [ ص: 220 ]

[ ص: 221 ] الخامس: قوله تعالى: تبيانا لكل شيء [النحل: 89]. ونظيرهما: ولكن تصديق الذي بين يديه وتفصيل كل شيء [يوسف: 111]. وأما قوله تعالى: ما فرطنا في الكتاب من شيء [الأنعام: 38]. فهو بعد قوله تعالى: وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم ما فرطنا في الكتاب من شيء ثم إلى ربهم يحشرون [الأنعام: 38]. ولهذا قال أكثر العلماء: إن الكتاب هنا هو اللوح المحفوظ، وهذا الكلام يقتضي أنه بين، لا يقتضي أن كل ما فيه مفهوم، فقد يقال: إن فيه هذا، وفيه هذا، لكل يقال: لما قصد به بيان كل شيء فبيانه نفسه وفهم معناه مقدم على غيره. [ ص: 222 ]

قال السادس: قوله تعالى: هدى للمتقين [البقرة: 2]. وما لا يكون معلوما لا يكون هدى.

السابع: قوله تعالى: حكمة بالغة [القمر: 5]. وقوله تعالى: وشفاء لما في الصدور وهدى ورحمة للمؤمنين [يونس: 57]. وكل هذه الصفات لا تحصل في غير المعلوم.

الثامن: قوله تعالى: قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين [المائدة: 15]. ولا يكون مبينا إلا أن يكون معلوما.

التاسع: قوله تعالى: أولم يكفهم أنا أنزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم إن في ذلك لرحمة وذكرى لقوم يؤمنون [العنكبوت: 51]. فكيف يكون الكتاب كافيا؟ وكيف يكون ذكرى؟ مع أنه غير مفهوم.

العاشر: قوله تعالى: هذا بلاغ للناس ولينذروا به [إبراهيم: 52]. فكيف يكون بلاغا؟ وكيف يقع الإنذار به وهو غير معلوم؟

وقوله في آخر الآية: وليذكر أولو الألباب [ ص: 223 ] [إبراهيم: 52]. وإنما يكون كذلك أن لو كان معلوما.

الحادي عشر: قوله تعالى: قد جاءكم برهان من ربكم وأنزلنا إليكم نورا مبينا [النساء: 174]. فكيف يكون برهانا ونورا مبينا مع أنه غير معلوم؟

الثاني عشر: قوله تعالى: فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى [طه: 123-124]. فكيف يمكن اتباعه تارة والإعراض عنه أخرى مع أنه غير معلوم؟

الثالث عشر: قوله تعالى: إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجرا كبيرا [الإسراء: 9]. فكيف يكون هاديا مع أنه غير معلوم للبشر؟

الرابع عشر: قوله تعالى: آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله وقالوا سمعنا وأطعنا [البقرة: 285]. والطاعة لا تكون إلا بعد العلم، فوجب كون القرآن مفهوما.

التالي السابق


الخدمات العلمية