الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                      صفحة جزء
                                      قال المصنف رحمه الله تعالى

                                      ( وأما طهارة البدن عن النجاسة فهي شرط في صحة الصلاة ، والدليل عليها قوله صلى الله عليه وسلم { : تنزهوا من البول فإن عامة عذاب القبر منه } )

                                      التالي السابق


                                      ( الشرح ) هذا الحديث سبق بيانه في باب إزالة النجاسة ، ومذهبنا أن إزالة النجاسة شرط في صحة الصلاة فإن علمها لم تصح صلاته بلا خلاف ، وإن نسيها أو جهلها فالمذهب أنه لا تصح صلاته ، وفيه خلاف نذكره حيث ذكره المصنف في أواخر الباب ، وسواء صلاة الفرض والنفل وصلاة الجنازة وسجود التلاوة والشكر ، فإزالة النجاسة شرط لجميعها ، هذا مذهبنا وبه قال أبو حنيفة وأحمد وجمهور العلماء من السلف والخلف ، وعن مالك في إزالة النجاسة ثلاث روايات أصحها وأشهرها أنه إن صلى عالما بها لم تصح صلاته ، وإن كان جاهلا أو ناسيا صحت ، وهو قول قديم عن الشافعي ( والثانية ) لا تصح الصلاة علم أو جهل أو نسي . ( والثالثة ) تصح [ ص: 140 ] الصلاة مع النجاسة ، وإن كان عالما متعمدا ، وإزالتها سنة . ونقل أصحابنا عن ابن عباس وسعيد بن جبير نحوه ، واتفق الشيخ أبو حامد والقاضي أبو الطيب وعامة العلماء على أن إزالتها شرط إلا مالكا واحتج لمالك بحديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال { بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بأصحابه إذ خلع نعليه فوضعهما عن يساره فلما رأى القوم ذلك ألقوا نعالهم ، فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاته قال : ما حملكم على إلقائكم نعالكم ؟ قالوا : رأيناك ألقيت نعليك فألقينا نعالنا ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن جبريل عليه السلام أتاني فأخبرني أن فيهما قذرا } رواه أبو داود بإسناد صحيح ، ورواه الحاكم في المستدرك وقال : هو صحيح على شرط مسلم ، وفي رواية لأبي داود " خبثا " بدل " قذرا " وفي رواية غيره " قذرا أو أذى " وفي رواية " دم حلمة " . واحتج الجمهور بقول الله تعالى { وثيابك فطهر } والأظهر أن المراد ثيابك الملبوسة وأن معناه طهرها من النجاسة ، وقد قيل في الآية غير هذا ، لكن الأرجح ما ذكرناه ونقله صاحب الحاوي عن الفقهاء ، وهو الصحيح وبحديث " تنزهوا من البول " وهو حسن كما سبق وبقوله صلى الله عليه وسلم { إذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة ، وإذا أدبرت فاغسلي عنك الدم وصلي } رواه البخاري ومسلم وسبق بيانه ، وبحديث ابن عباس قال { مر النبي صلى الله عليه وسلم بقبرين فقال : إنهما يعذبان وما يعذبان في كبير ، أما أحدهما فكان لا يستنزه من بوله ، وأما الآخر فكان يمشي بالنميمة } رواه البخاري ومسلم وبالقياس على طهارة الحدث والجواب عن حديث أبي سعيد من وجهين . ( أحدهما ) أن القذر هو الشيء المستقذر . كالمخاط والبصاق والمني والبول وغيره فلا يلزم أن يكون نجسا . ( الثاني ) لعله كان دما يسيرا ، أو شيئا يسيرا من طين الشوارع ، وذلك معفو عنه والله أعلم .




                                      الخدمات العلمية