الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

بيان تلبيس الجهمية في تأسيس بدعهم الكلامية

ابن تيمية - أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني

صفحة جزء
قلت: ما ذكره على التقدير حق، كما ذكره، ولهذا يوجد عامة أهل الفطر الصحيحة، ممن عرف هذا وأمثاله، من العلوم البديهية والضرورية والفطرية، إذا سمع كلام المتكلمين، وجدال المجادلين، الداعين للنظر والاستدلال، في دفع هذه الضرورة، [ ص: 49 ] لم يلتفتوا إلى كلامهم، بل هم أحد رجلين; إما رجل عارف بحل شبههم وبيان تناقضها، وإما رجل معرض عن ذلك؛ إما لعجزه عن حله، وإما لاشتغاله بما هو أهم عنده من ذلك، وإما حسما لمادة الخوض في مثل كلامهم الباطل، وهذه طريقة أهل العلم والإيمان، فيمن يجادل بالباطل، المخالف للفطرة والشرعة، وهذا هو الصواب، دون ما عليه مخالفوهم، من أنهم يخالفون الفطرة والكتاب، بأنواع من الحجج المدعاة، ثم يزعمون أنها قواطع مخالفة للشرع، وأنها أصل الشرع، فالقدح فيها قدح في الشرع، فإن هؤلاء بدلوا الأمر وقلبوه، كما بيناه في موضعه، بخلاف من قرر العلوم الفطرية البديهية، والعلوم السمعية الشرعية، وما وافق ذلك، دون ما خالف ذلك من الحجج القياسية، وإذا كان هؤلاء قد سلكوا السبيل الحق، كما ذكره على ذلك التقدير، لمن يكره ما ذكره، دافعا لهم، لا دافعا للناظر في نفسه، ولا للمناظر مع غيره، فقوله: «يجب علينا [ ص: 50 ] أن نبين أن هذه المقدمة، ليست من المقدمات البديهيات حتى يزول الإشكال» ليس بقول سديد، ولا ينفعه وينفع غيره، سواء كان ناظرا أو مناظرا، لأن الناظر الذي بده قلبه العلم بهذه المقدمة، واضطر إلى الإقرار بها، وقد فطر عليها، كيف يزول ذلك عنه بالنظر والجدل، وهو قد سلم أن القدح في الضروريات بالنظريات لا يجوز.

التالي السابق


الخدمات العلمية