الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 138 ] سورة بني إسرائيل

                                                                                                                                                                                                                                      مكية

                                                                                                                                                                                                                                      أخرج النحاس ، وابن مردويه ، عن ابن عباس قال : نزلت سورة " بني إسرائيل " بمكة .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن مردويه عن ابن الزبير قال : نزلت سورة " بني إسرائيل " بمكة .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج البخاري ، وابن الضريس ، وابن مردويه ، عن ابن مسعود ، أنه قال في " بني إسرائيل "، و " الكهف "، و " مريم " : أنهن من العتاق الأول، وهن من تلادي .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج أحمد ، والترمذي وحسنه، والنسائي ، والحاكم ، وابن مردويه ، عن عائشة قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ كل ليلة " بني إسرائيل "، و " الزمر " .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 139 ] وأخرج ابن أبي شيبة عن أبي عمرو الشيباني قال : صلى بنا عبد الله الفجر فقرأ السورتين، الآخرة منهما " بنو إسرائيل " .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى : سبحان الذي أسرى بعبده ليلا .

                                                                                                                                                                                                                                      أخرج ابن جرير عن حذيفة، أنه قرأ : ( سبحان الذي أسرى بعبده من الليل من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى ) .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الطستي عن ابن عباس ، أن نافع بن الأزرق سأله عن قوله تعالى : سبحان الذي أسرى بعبده ليلا . قال : سبحان تنزيه الله تعالى، الذي أسرى بمحمد صلى الله عليه وسلم من المسجد الحرام إلى بيت المقدس، ثم رده إلى المسجد الحرام . قال : وهل تعرف العرب ذلك؟ قال : نعم، أما سمعت الأعشى وهو يقول :


                                                                                                                                                                                                                                      قلت له لما علا فخره سبحان من علقمة الفاخر



                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي شيبة ، وابن مردويه ، من طريق ثابت، عن أنس، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " أتيت بالبراق، وهو دابة، أبيض طويل، فوق الحمار ودون البغل، يضع حافره عند منتهى طرفه، فركبته حتى أتيت بيت المقدس [ ص: 140 ] فربطته بالحلقة التي يربط بها الأنبياء، ثم دخلت المسجد فصليت فيه ركعتين، ثم خرجت، فجاءني جبريل بإناء من خمر، وإناء من لبن، فاخترت اللبن، فقال جبريل : اخترت الفطرة . ثم عرج بنا إلى السماء الدنيا، فاستفتح جبريل ، فقيل : من أنت؟ قال : جبريل . قيل : ومن معك؟ قال : محمد . قيل : وقد بعث إليه؟ قال : قد بعث إليه . ففتح لنا فإذا أنا بآدم، فرحب بي ودعا لي بخير .

                                                                                                                                                                                                                                      ثم عرج بنا إلى السماء الثانية، فاستفتح جبريل ، فقيل : من أنت؟ قال : جبريل . قيل : ومن معك؟ قال : محمد . قيل : وقد بعث إليه؟ قال : قد بعث إليه . ففتح لنا فإذا أنا بابني الخالة؛ عيسى ابن مريم، ويحيى بن زكريا، فرحبا بي ودعوا لي بخير .

                                                                                                                                                                                                                                      ثم عرج بنا إلى السماء الثالثة، فاستفتح جبريل ، فقيل : من أنت؟ قال : جبريل . قيل : ومن معك؟ قال : محمد . قيل : وقد بعث إليه؟ قال : قد بعث إليه . ففتح لنا فإذا أنا بيوسف، وإذا هو قد أعطي شطر الحسن، فرحب بي ودعا لي بخير .

                                                                                                                                                                                                                                      ثم عرج بنا إلى السماء الرابعة، فاستفتح جبريل ، فقيل : من هذا؟ قال : جبريل . قيل : ومن معك؟ قال : محمد . قيل : وقد بعث إليه؟ قال : قد بعث إليه . ففتح لنا فإذا أنا بإدريس، فرحب بي ودعا لي بخير .

                                                                                                                                                                                                                                      ثم عرج بنا إلى السماء الخامسة، فاستفتح جبريل ، فقيل : من هذا؟ قال : [ ص: 141 ] جبريل . قيل : ومن معك؟ قال : محمد . قيل : وقد بعث إليه؟ قال : قد بعث إليه . [249ظ] ففتح لنا فإذا أنا بهارون، فرحب بي ودعا لي بخير .

                                                                                                                                                                                                                                      ثم عرج بنا إلى السماء السادسة، فاستفتح جبريل ، فقيل : من هذا؟ قال : جبريل . قيل : ومن معك؟ قال : محمد . قيل : وقد بعث إليه؟ قال : قد بعث إليه . ففتح لنا فإذا أنا بموسى، فرحب بي ودعا لي بخير .

                                                                                                                                                                                                                                      ثم عرج بنا إلى السماء السابعة، فاستفتح جبريل ، فقيل : من هذا؟ قال : جبريل . قيل : ومن معك؟ قال : محمد . قيل : وقد بعث إليه؟ قال : قد بعث إليه . ففتح لنا فإذا أنا بإبراهيم مسندا ظهره إلى البيت المعمور، وإذا هو يدخله كل يوم سبعون ألف ملك لا يعودون إليه، ثم ذهب بي إلى سدرة المنتهى، فإذا ورقها فيها كآذان الفيلة، وإذا ثمرها كالقلال، فلما غشيها من أمر الله ما غشي تغيرت، فما أحد من خلق الله يستطيع أن ينعتها من حسنها، فأوحى إلي ما أوحى، وفرض علي خمسين صلاة في كل يوم وليلة، فنزلت حتى انتهيت إلى موسى، فقال : ما فرض ربك على أمتك؟ قلت : خمسين صلاة . قال : ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف، فإن أمتك لا تطيق ذلك، فإني [ ص: 142 ] قد بلوت بني إسرائيل وخبرتهم، فرجعت إلى ربي فقلت : يا رب خفف عن أمتي . فحط عني خمسا، فرجعت إلى موسى فقلت : حط عني خمسا . قال : إن أمتك لا يطيقون ذلك، فارجع إلى ربك فاسأله التخفيف . قال : فلم أزل أرجع بين ربي وموسى حتى قال : يا محمد، إنهن خمس صلوات لكل يوم وليلة، بكل صلاة عشر، فتلك خمسون صلاة، ومن هم بحسنة فلم يعملها كتبت له حسنة، فإن عملها كتبت له عشرا، ومن هم بسيئة فلم يعملها لم تكتب شيئا، فإن عملها كتبت سيئة واحدة، فنزلت حتى انتهيت إلى موسى فأخبرته، فقال : ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف . فقلت : قد رجعت إلى ربي حتى استحييت منه .


                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج البخاري ، ومسلم ، وابن جرير ، وابن مردويه ، من طريق شريك بن عبد الله بن أبي نمر، عن أنس قال : ليلة أسري برسول الله صلى الله عليه وسلم من مسجد الكعبة جاءه ثلاثة نفر قبل أن يوحى إليه وهو نائم في المسجد الحرام، فقال أولهم : أيهم هو؟ فقال أوسطهم : هو خيرهم، فقال أحدهم : خذوا خيرهم، فكانت تلك الليلة، فلم يرهم حتى أتوه ليلة أخرى، فيما يرى قلبه، وتنام عيناه ولا ينام قلبه، وكذلك الأنبياء تنام أعينهم ولا تنام قلوبهم، فلم يكلموه حتى احتملوه فوضعوه عند بئر زمزم، فتولاه منهم جبريل فشق جبريل ما بين نحره إلى لبته [ ص: 143 ] حتى فرغ من صدره وجوفه، فغسله من ماء زمزم بيده حتى أنقى جوفه، ثم أتى بطست من ذهب فيه تور من ذهب محشوا إيمانا وحكمة، فحشا به صدره ولغاديده - يعني عروق حلقه - ثم أطبقه، ثم عرج به إلى السماء الدنيا، فضرب بابا من أبوابها فقيل : من هذا؟ قال : جبريل . قيل : ومن معك؟ قال : محمد . قيل : وقد بعث إليه؟ قال : نعم . قالوا : مرحبا به وأهلا . ووجد في السماء الدنيا آدم، فقال له جبريل : هذا أبوك آدم فسلم عليه . فسلم عليه ورد عليه آدم وقال : مرحبا وأهلا بابني، نعم الابن أنت . فإذا هو في السماء الدنيا بنهرين يطردان فقال : "ما هذان النهران يا جبريل ؟" . قال : هذا النيل والفرات عنصرهما . ثم مضى به في السماء فإذا هو بنهر آخر عليه قصر من لؤلؤ وزبرجد، فضرب بيده فإذا هو مسك أذفر . قال : "ما هذا يا جبريل ؟" . قال : هذا الكوثر الذي خبأ لك ربك .

                                                                                                                                                                                                                                      ثم عرج به إلى السماء الثانية فقالت الملائكة له مثل ما قالت له الأولى : من هذا؟ قال : جبريل . قالوا : ومن معك؟ قال : محمد . قالوا : وقد بعث إليه؟ قال : نعم، قالوا : مرحبا به وأهلا .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 144 ] ثم عرج به إلى السماء الثالثة فقالوا له مثل ما قالت الأولى والثانية، ثم عرج به إلى السماء الرابعة فقالوا له مثل ذلك، ثم عرج به إلى الخامسة فقالوا له مثل ذلك، ثم عرج به إلى السادسة فقالوا له مثل ذلك، ثم عرج به إلى السابعة فقالوا له مثل ذلك، كل سماء فيها أنبياء قد سماهم؛ منهم إدريس في الثانية، وهارون في الرابعة، وآخر في الخامسة ولم أحفظ اسمه، وإبراهيم في السادسة، وموسى في السابعة بتفضيل كلام الله، فقال موسى : رب لم أظن أن ترفع علي أحدا . ثم علا به فوق ذلك بما لا يعلمه إلا الله، حتى جاء سدرة المنتهى، ودنا الجبار رب العزة فتدلى حتى كان منه قاب قوسين أو أدنى، فأوحى الله فيما يوحي إليه خمسين صلاة على أمتك كل يوم وليلة، ثم هبط حتى بلغ موسى فاحتبسه موسى فقال : يا محمد، ماذا عهد إليك ربك؟ قال : "عهد إلي خمسين صلاة كل يوم وليلة" . قال : إن أمتك لا تستطيع ذلك، ارجع فليخفف عنك ربك وعنهم . فالتفت النبي صلى الله عليه وسلم إلى جبريل كأنه يستشيره، فأشار إليه جبريل ، أن نعم إن شئت . فعلا به إلى الجبار تبارك وتعالى، فقال وهو مكانه : [ ص: 145 ] "يا رب، خفف عنا؛ فإن أمتي لا تستطيع هذا" . فوضع عنه عشر صلوات . ثم رجع إلى موسى فاحتبسه، فلم يزل يردده موسى إلى ربه حتى صارت إلى خمس صلوات، ثم احتبسه موسى عند الخمس فقال : يا محمد، والله لقد راودت بني إسرائيل على أدنى من هذا فضعفوا وتركوه، فأمتك أضعف أجسادا وقلوبا وأبدانا وأبصارا وأسماعا فارجع فليخفف عنك ربك . كل ذلك يلتفت النبي صلى الله عليه وسلم إلى جبريل ليشير عليه ولا يكره ذلك جبريل ، فرفعه عند الخامسة فقال : "يا رب، إن أمتي ضعفاء أجسادهم وقلوبهم وأسماعهم وأبدانهم، فخفف عنا" . فقال الجبار : يا محمد . قال : "لبيك وسعديك" . قال : إنه لا يبدل القول لدي؛ كما فرضت عليك في أم الكتاب، وكل حسنة بعشر أمثالها، فهي خمسون في أم الكتاب وهي خمس عليك . فرجع إلى موسى فقال : كيف فعلت؟ فقال : "خفف عنا؛ أعطانا بكل حسنة عشر أمثالها" . فقال موسى : قد والله راودت بني إسرائيل على أدنى من ذلك فتركوه، ارجع إلى ربك فليخفف عنك . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "يا موسى، قد والله استحييت من ربي مما اختلفت إليه" . قال : فاهبط باسم الله . واستيقظ وهو في المسجد الحرام .


                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 146 ] وأخرج النسائي ، وابن مردويه ، من طريق يزيد بن أبي مالك، عن أنس، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : "أتيت ليلة أسري بي بدابة فوق الحمار ودون البغل، خطوها عند منتهى طرفها، كانت تسخر للأنبياء قبلي، فركبته ومعي جبريل فسرت، فقال : انزل فصل . ففعلت، فقال : أتدري أين صليت؟ صليت بطيبة وإليها المهاجر إن شاء الله . ثم قال : انزل فصل . ففعلت، فقال : أتدري أين صليت؟ صليت بطور سيناء حيث كلم الله موسى . ثم قال : انزل فصل، فصليت، فقال أتدري أين صليت؟ صليت ببيت لحم حيث ولد عيسى . ثم دخلت بيت المقدس فجمع لي الأنبياء عليهم السلام، فقدمني جبريل فصليت بهم .

                                                                                                                                                                                                                                      ثم صعد بي إلى السماء الدنيا، فإذا فيها آدم فقال لي : سلم عليه . فقال : مرحبا بابني والنبي الصالح .

                                                                                                                                                                                                                                      ثم صعد بي إلى السماء الثانية، فإذا فيها ابنا الخالة عيسى ويحيى، ثم صعد بي إلى السماء الثالثة، فإذا فيها يوسف، ثم صعد بي إلى السماء الرابعة، فإذا فيها هارون، ثم صعد بي إلى السماء الخامسة، فإذا فيها إدريس، ثم صعد بي إلى السماء السادسة، فإذا فيها موسى ثم صعد بي إلى السماء السابعة، فإذا فيها إبراهيم، ثم صعد بي فوق سبع سماوات، وأتيت سدرة المنتهى فغشيتني [ ص: 147 ] ضبابة فخررت ساجدا، فقيل لي : إني يوم خلقت السماوات والأرض فرضت عليك وعلى أمتك خمسين صلاة، فقم بها أنت وأمتك . فمررت على إبراهيم فلم يسألني شيئا، ثم مررت على موسى فقال لي : كم فرض عليك وعلى أمتك؟ قلت : خمسين صلاة . قال : إنك لن تستطيع أن تقوم بها أنت ولا أمتك، فاسأل ربك التخفيف . فرجعت فأتيت سدرة المنتهى فخررت ساجدا فقلت : يا رب، فرضت علي وعلى أمتي خمسين صلاة، فلن أستطيع أن أقوم بها أنا ولا أمتي . فخفف عني عشرا، فمررت على موسى فسألني فقلت : خفف عني عشرا، قال : ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف . فخفف عني عشرا ثم عشرا، حتى قال : هن خمس بخمسين، فقم بها أنت وأمتك . فعلمت أنها من الله صرى، فمررت على موسى فقال لي : كم فرض عليك؟ فقلت : خمس صلوات . فقال : فرض على بني إسرائيل صلاتان فما قاموا بهما، فقلت : إنها من الله . فلم أرجع .


                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي حاتم ، من وجه آخر عن يزيد بن أبي مالك، عن أنس قال : لما كان ليلة أسري برسول الله صلى الله عليه وسلم أتاه جبريل عليه السلام بدابة فوق الحمار ودون البغل، حمله جبريل عليها، ينتهي خفها حيث ينتهي طرفها .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 148 ] فلما بلغ بيت المقدس أتى إلى الحجر الذي ثمة، فغمزه جبريل عليه السلام بأصبعه فثقبه، ثم ربطها ثم صعد، فلما استويا في صرحة المسجد قال جبريل : يا محمد، هل سألت ربك أن يريك الحور العين؟ قال : "نعم" . قال : فانطلق إلى أولئك النسوة، فسلم عليهن، وهن جلوس عن يسار الصخرة، "فأتيتهن، فسلمت عليهن فرددن علي السلام، فقلت : من أنتن؟ فقلن : خيرات حسان نساء قوم أبرار؛ نقوا فلم يدرنوا، وأقاموا فلم يظعنوا، وخلدوا فلم يموتوا . ثم انصرفت فلم ألبث إلا يسيرا حتى اجتمع ناس كثير، ثم أذن مؤذن وأقيمت الصلاة، فقمنا صفوفا ننتظر من يؤمنا، فأخذ بيدي جبريل فقدمني فصليت بهم، فلما انصرفت قال جبريل : يا محمد أتدري من صلى خلفك؟ قلت : لا . قال : صلى خلفك كل نبي بعثه الله .

                                                                                                                                                                                                                                      ثم أخذ بيدي فصعد بي إلى السماء، فلما انتهينا إلى الباب استفتح، قالوا : من أنت؟ قال : جبريل . قالوا : ومن معك؟ قال : محمد . قالوا : وقد بعث إليه؟ قال : نعم . ففتحوا له وقالوا : مرحبا بك وبمن معك . فلما استوى على ظهرها إذا فيها آدم . فقال لي جبريل : ألا تسلم على أبيك آدم؟ قلت : بلى . فأتيته فسلمت عليه، فرد علي وقال : مرحبا بابني والنبي الصالح .

                                                                                                                                                                                                                                      ثم عرج بي إلى السماء الثانية فاستفتح، فقالوا مثل ذلك، فإذا فيها عيسى [ ص: 149 ] ويحيى . ثم عرج بي إلى السماء الثالثة فاستفتح، فقالوا مثل ذلك، فإذا فيها يوسف . ثم عرج بي إلى السماء الرابعة فاستفتح، قالوا مثل ذلك، فإذا فيها إدريس . ثم عرج بي إلى السماء الخامسة فاستفتح، فقالوا مثل ذلك، فإذا فيها هارون . ثم عرج بي إلى السماء السادسة فاستفتح، فقالوا مثل ذلك، فإذا فيها موسى . ثم عرج بي إلى السماء السابعة فاستفتح، فقالوا مثل ذلك، فإذا فيها إبراهيم .

                                                                                                                                                                                                                                      ثم انطلق بي على ظهر السماء السابعة حتى انتهى بي إلى نهر عليه خيام الياقوت واللؤلؤ والزبرجد، وعليه طير خضر؛ أنعم طير رأيت . فقلت : يا جبريل إن هذا الطير لناعم . فقال : يا محمد، آكله أنعم منه . ثم قال : أتدري أي نهر هذا؟ قلت : لا . قال : الكوثر الذي أعطاك الله إياه، فإذا فيه آنية الذهب والفضة، يجري على رضراض من الياقوت والزمرد، ماؤه أشد بياضا من اللبن، فأخذت من آنيته فاغترفت من ذلك الماء فشربت، فإذا هو أحلى من العسل، وأشد رائحة من المسك . ثم انطلق بي حتى انتهى إلى الشجرة، فغشيتني سحابة فيها من كل لون، فرفضني جبريل ، وخررت ساجدا لله .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 150 ] فقال الله لي : يا محمد، إني يوم خلقت السماوات والأرض فرضت عليك وعلى أمتك خمسين صلاة، فقم بها أنت وأمتك . ثم انجلت عني السحابة، وأخذ بيدي جبريل فانصرفت سريعا، فأتيت على إبراهيم فلم يقل لي شيئا، ثم أتيت على موسى فقال : ما صنعت يا محمد؟ قلت : فرض علي ربي وعلى أمتي خمسين صلاة . قال : فلن تستطيعها أنت ولا أمتك . فارجع إلى ربك فاسأله أن يخفف عنك . فرجعت سريعا حتى انتهيت إلى الشجرة، فغشيتني السحابة، وخررت ساجدا، وقلت : رب، خفف عنا . قال : قد وضعت عنكم عشرا . ثم انجلت عني السحابة، فرجعت إلى موسى فقلت : وضع عني عشرا . قال : ارجع إلى ربك فاسأله أن يخفف عنكم" . فوضع عشرا إلى أن قال : هن خمس بخمسين . ثم انحدر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لجبريل : "ما لي لم آت على أهل سماء إلا رحبوا بي وضحكوا إلي، غير رجل واحد سلمت عليه فرد علي السلام، ورحب بي ولم يضحك إلي؟! قال : ذاك مالك خازن جهنم، لم يضحك منذ خلق ولو [250و] ضحك إلى أحد ضحك إليك" . قال : "ثم ركبت منصرفا" . فبينا هو في بعض طريقه مر بعير لقريش تحمل طعاما، منها جمل عليه غرارتان، غرارة سوداء، وغرارة بيضاء، فلما حاذى العير نفرت منه واستدارت، وصرع ذلك البعير وانكسر، ثم إنه مضى فأصبح فأخبر عما كان، فلما سمع المشركون قوله أتوا أبا بكر فقالوا : يا أبا بكر، هل لك في [ ص: 151 ] صاحبك؟ يخبر أنه أتى في ليلته هذه مسيرة شهر ثم رجع في ليلته! فقال أبو بكر : إن كان قاله فقد صدق وإنا لنصدقه فيما هو أبعد من هذا؛ نصدقه على خبر السماء . فقال المشركون لرسول الله صلى الله عليه وسلم : ما علامة ما تقول؟ قال : "مررت بعير لقريش وهي في مكان كذا وكذا، فنفرت الإبل منا واستدارت، وفيها بعير عليه غرارتان : غرارة سوداء، وغرارة بيضاء، فصرع فانكسر" . فلما قدمت العير سألوهم فأخبروهم الخبر على مثل ما حدثهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن ذلك سمي أبو بكر الصديق، وسألوه : هل كان فيمن حضر معك موسى وعيسى؟ قال : "نعم" . قالوا : فصفهما . قال : "أما موسى، فرجل آدم كأنه من رجال أزد عمان وأما عيسى، فرجل ربعة سبط، تعلوه حمرة كأنه يتحادر من لحيته الجمان" .


                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن جرير ، وابن مردويه ، والبيهقي في " الدلائل "، من طريق عبد الرحمن بن هاشم بن عتبة، عن أنس قال : لما جاء جبريل عليه السلام إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم [ ص: 152 ] بالبراق، فكأنها صرت أذنيها، فقال جبريل : يا براق، فوالله ما ركبك مثله . وسار رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا هو بعجوز على جانب الطريق، فقال : "ما هذه يا جبريل ؟" قال : سر يا محمد . فسار ما شاء الله أن يسير، فإذا شيء يدعوه متنحيا عن الطريق يقول : هلم يا محمد . فقال له جبريل : سر يا محمد . فسار ما شاء الله أن يسير، فلقيه خلق من خلق الله فقالوا : السلام عليك يا أول، السلام عليك يا آخر، السلام عليك يا حاشر . فقال له جبريل : اردد السلام . فرد السلام، ثم لقيه الثانية فقال له مثل ذلك، ثم الثالثة كذلك حتى انتهى إلى بيت المقدس، فعرض عليه الماء والخمر واللبن، فتناول رسول الله صلى الله عليه وسلم اللبن . فقال له جبريل : أصبت الفطرة، ولو شربت الماء لغرقت أمتك، ولو شربت الخمر لغوت أمتك . ثم بعث له آدم فمن دونه من الأنبياء، فأمهم رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك الليلة، ثم قال له جبريل : أما العجوز التي رأيت على جانب الطريق، فلم يبق من الدنيا إلا ما بقي من عمر تلك العجوز، وأما الذي أراد أن تميل إليه، فذاك عدو الله إبليس، أراد أن تميل إليه، وأما الذين سلموا عليك فإبراهيم وموسى وعيسى .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 153 ] وأخرج ابن مردويه ، من طريق كثير بن خنيس، عن أنس بن مالك قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "بينما أنا مضطجع في المسجد ليلة نائما، إذ رأيت ثلاثة نفر أقبلوا نحوي، فقال الأول : هو هو . قال الأوسط : نعم . قال الآخر : خذوا سيد القوم . فرجعوا عني، ثم رأيتهم الليلة الثانية، فقال الأول : هو هو . فقال الأوسط : نعم، وقال الآخر : خذوا سيد القوم . فرجعوا عني حتى إذا كانت الليلة الثالثة رأيتهم، فقال الأول : هو هو . وقال الآخر : خذوا سيد القوم . حتى جاؤوا بي زمزم فاستلقوني على ظهري، ثم غسلوا حشوة بطني، ثم قال بعضهم لبعض : أنقوا . ثم أتى بطست من ذهب مملوءة حكمة وإيمانا، فأفرغ في جوفي .

                                                                                                                                                                                                                                      ثم عرج بي إلى السماء فاستفتح فقالوا : من هذا؟ قال : جبريل . قالوا : ومن معك؟ قال : محمد . قالوا : وقد أرسل إليه . قال : نعم . ففتح، فإذا آدم إذا نظر عن يمينه ضحك، وإذا نظر عن يساره بكى . قلت : يا جبريل ، من هذا؟! قال : هذا أبوك آدم، إذا نظر عن يمينه رأى من في الجنة من ذريته ضحك، وإذا نظر عن يساره رأى من في النار من ذريته بكى" .

                                                                                                                                                                                                                                      ثم قال أنس بن مالك : يا بن أخي إنه يطول علي الحديث . ثم عرج به [ ص: 154 ] حتى جاء السماء السادسة فاستفتح، فقال : من هذا؟ قال : جبريل ، قال : ومن معك؟ قال : محمد . قال : وقد أرسل إليه؟ قال : نعم . ففتح فإذا موسى .

                                                                                                                                                                                                                                      ثم عرج به إلى السماء السابعة فاستفتح، قيل : من هذا؟ قال : جبريل . قيل : ومن معك؟ قال : محمد . قال : وقد أرسل إليه؟ قال : نعم . ففتح فإذا إبراهيم، فقال مرحبا بالابن والرسول . ثم مضى حتى جاء الجنة فاستفتح فقيل : من هذا؟ قال : جبريل . قال : ومن معك؟ قال : محمد . قال : وقد أرسل إليه؟ قال : نعم . ففتح . قال : "فدخلت الجنة فأعطيت الكوثر، فإذا نهر في الجنة عضادتاه بيوت مجوفة من لؤلؤ، ثم مضى حتى جاء سدرة المنتهى فتدلى فكان قاب قوسين أو أدنى فأوحى إلى عبده ما أوحى [النجم : 8-10] . ففرض علي وعلى أمتي خمسين صلاة، فرجعت حتى أمر بموسى، فقال : كم فرض عليك وعلى أمتك؟ قلت : خمسين صلاة . قال : فارجع إلى ربك فاسأله يخفف عنك وعن أمتك . فرجعت إليه فوضع عني عشرا، فمررت على موسى فقال : كم فرض عليك وعلى أمتك؟ قلت : أربعين صلاة . قال : فارجع إلى ربك فاسأله يخفف عنك وعن أمتك . فرجعت إليه فوضع عني عشرا، فمررت على موسى، فقال : كم فرض عليك وعلى أمتك؟ قلت : ثلاثين صلاة . قال : فارجع إلى ربك فاسأله يخفف عنك وعن أمتك . فرجعت إليه فوضع عني عشرا، ثم رجعت إلى موسى، فقال : كم فرض عليك [ ص: 155 ] وعلى أمتك؟ قلت : عشرين صلاة، قال : فارجع إلى ربك فاسأله يخفف عنك وعن أمتك . فرجعت فوضع عني عشرا، ثم مررت على موسى، فقال : كم فرض عليك وعلى أمتك؟ قلت : عشر صلوات . قال : فارجع إلى ربك فاسأله يخفف عنك وعن أمتك . فرجعت فوضع عني خمسا . ثم قال : إنه لا يبدل قولي ولا ينسخ كتابي، تخفيفها عنكم كتخفيف خمس صلوات، وإنها لكم كأجر خمسين صلاة . فمررت على موسى فقال : كم فرض عليك وعلى أمتك؟ قلت : خمس صلوات . قال : ارجع إلى ربك فاسأله يخفف عنك وعن أمتك؛ فإن بني إسرائيل قد أمروا بأيسر من هذا فلم يطيقوه" . قال : "لقد رجعت إلى ربي حتى إني لأستحي منه" .


                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج البزار ، وابن أبي حاتم ، والطبراني ، وابن مردويه ، والبيهقي في "الدلائل" وصححه، عن شداد بن أوس قال : قلنا يا رسول الله، كيف أسري بك؟ فقال : "صليت لأصحابي العتمة بمكة معتما، فأتاني جبريل بدابة بيضاء فوق الحمار ودون البغل، فقال : اركب، فاستصعبت علي، فأدارها بأذنها، ثم حملني عليها، فانطلقت تهوي بنا، يقع حافرها حيث أدرك طرفها، حتى بلغنا أرضا ذات نخل، فقال : انزل . فنزلت فقال : صل . فصليت، ثم ركبنا فقال : أتدري أين صليت؟ قلت : الله أعلم، قال : صليت بيثرب، [ ص: 156 ] صليت بطيبة . ثم انطلقت تهوي بنا، يقع حافرها حيث أدرك طرفها، ثم بلغنا أرضا فقال : انزل . فنزلت فقال : صل . فصليت، ثم ركبنا فقال : أتدري أين صليت؟ قلت : الله أعلم . قال : صليت بمدين، صليت عند شجرة موسى، ثم انطلقت تهوي بنا، يقع حافرها حيث أدرك طرفها، ثم بلغنا أرضا بدت لنا قصورها، فقال : انزل . فنزلت، ثم قال : صل . فصليت، ثم ركبنا فقال : أتدري أين صليت؟ فقلت : الله أعلم . قال : صليت ببيت لحم حيث ولد عيسى المسيح ابن مريم . ثم انطلق بي حتى دخلنا المدينة من بابها اليماني، فأتى قبلة المسجد فربط فيه دابته، ودخلنا المسجد من باب فيه تميل الشمس والقمر، فصليت من المسجد حيث شاء الله، وأخذني من العطش أشد ما أخذني، فأتيت بإناءين؛ في أحدهما لبن، وفي الآخر عسل، أرسل إلي بهما جميعا، فعدلت بينهما، ثم هداني الله فأخذت اللبن فشربت حتى قرعت به جبيني، وبين يديه شيخ متكئ على منبر له، فقال : أخذ صاحبك الفطرة وإنه لمهدي .

                                                                                                                                                                                                                                      ثم انطلق بي حتى أتينا الوادي الذي في المدينة، فإذا جهنم تنكشف عن مثل الزرابي" . فقلنا : يا رسول الله كيف وجدتها؟ قال : "مثل الحمة [ ص: 157 ] السخنة، ثم انصرف بي فمررنا بعير لقريش بمكان كذا وكذا، وقد أضلوا بعيرا لهم قد جمعه فلان، فسلمت عليهم فقال بعضهم : هذا صوت محمد، ثم أتيت أصحابي قبل الصبح بمكة، فأتاني أبو بكر فقال : يا رسول الله، أين كنت الليلة؟ فقد التمستك في مكانك . فقلت : أعلمت أني أتيت بيت المقدس الليلة؟ فقال : يا رسول الله، إنه مسيرة شهر فصفه لي" . قال : "ففتح لي صراط كأني أنظر إليه، لا يسألوني عن شيء إلا أنبأتهم عنه" . فقال أبو بكر : أشهد أنك رسول الله . وقال المشركون : انظروا إلى ابن أبي كبشة، زعم أنه أتى بيت المقدس الليلة . فقال : "إن من آية ما أقول لكم أني مررت بعير لكم بمكان كذا وكذا وقد أضلوا بعيرا لهم، فجمعه فلان، وإن مسيرهم ينزلون بكذا ثم كذا، ويأتونكم يوم كذا وكذا يقدمهم جمل آدم، عليه مسح أسود وغرارتان سوداوان" . فلما كان ذلك اليوم أشرف القوم ينظرون حتى كان قريبا من نصف النهار أقبلت العير يقدمهم ذلك الجمل الذي وصفه رسول الله صلى الله عليه وسلم .


                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية