الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
القول في تأويل قوله عز ذكره ( وامسحوا برءوسكم )

قال أبو جعفر : اختلف أهل التأويل في صفة "المسح" الذي أمر الله به بقوله : "وامسحوا برءوسكم" .

فقال بعضهم : وامسحوا بما بدا لكم أن تمسحوا به من رءوسكم بالماء ، إذا قمتم إلى الصلاة .

ذكر من قال ذلك :

11433 - حدثنا نصر بن علي الجهضمي قال : حدثنا حماد بن مسعدة ، عن عيسى بن حفص قال : ذكر عند القاسم بن محمد مسح الرأس فقال : يا نافع كيف كان ابن عمر يمسح؟ فقال : مسحة واحدة ووصف أنه مسح مقدم رأسه إلى وجهه فقال القاسم : ابن عمر أفقهنا وأعلمنا .

11434 - حدثنا ابن بشار قال : حدثنا عبد الوهاب قال : سمعت يحيى بن سعيد يقول : أخبرني نافع : أن ابن عمر كان إذا توضأ رد كفه اليمنى إلى الماء ووضعهما فيه ، ثم مسح بيديه مقدم رأسه .

11435 - حدثنا ابن بشار قال : حدثنا محمد بن بكير ، قال أخبرنا ابن جريج قال : أخبرني نافع : أن ابن عمر كان يضع بطن كفه اليمنى على الماء ، [ ص: 49 ]

لا ينفضهما ثم يمسح بها ما بين قرنيه إلى الجبين واحدة ، ثم لا يزيد عليها ، في كل ذلك مسحة واحدة مقبلة من الجبين إلى القرن .

11436 - حدثنا تميم بن المنتصر قال : حدثنا إسحاق قال : أخبرنا شريك ، عن يحيى بن سعيد الأنصاري ، عن نافع ، عن ابن عمر : أنه كان إذا توضأ مسح مقدم رأسه .

11437 - حدثنا تميم بن المنتصر قال : أخبرنا إسحاق قال : أخبرنا شريك ، عن عبد الأعلى الثعلبي ، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال : يجزيك أن تمسح مقدم رأسك إذا كنت معتمرا . وكذلك تفعل المرأة .

11438 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا عبد الله الأشجعي ، عن سفيان ، عن ابن عجلان ، عن نافع قال : رأيت ابن عمر مسح بيافوخه مسحة وقال سفيان : إن مسح شعرة أجزأه - يعني : واحدة - .

11439 - حدثنا أبو هشام قال : حدثنا عبد السلام بن حرب قال : أخبرنا مغيرة ، عن إبراهيم قال : أي جوانب رأسك أمسست الماء أجزأك .

11440 - حدثنا أبو هشام قال : حدثنا علي بن ظبيان قال : حدثنا إسماعيل بن أبي خالد ، عن الشعبي ، قال : أي جوانب رأسك أمسست الماء أجزأك .

11441 - حدثنا الرفاعي قال : حدثنا وكيع ، عن إسماعيل الأزرق ، عن الشعبي ، مثله . [ ص: 50 ]

11442 - حدثني يعقوب قال : حدثنا ابن علية قال : أخبرنا أيوب ، عن نافع قال : كان ابن عمر يمسح رأسه هكذا فوضع أيوب كفه وسط رأسه ، ثم أمرها على مقدم رأسه .

11443 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا زيد بن الحباب ، عن سفيان ، قال : إن مسح رأسه بأصبع واحدة أجزأه .

11444 - حدثنا أبو الوليد الدمشقي قال : حدثنا الوليد بن مسلم قال : قلت لأبي عمرو : ما يجزئ من مسح الرأس؟ قال : أن تمسح مقدم رأسك إلى القفا أحب إلي .

11445 - حدثني العباس بن الوليد ، عن أبيه ، عنه ، نحوه .

وقال آخرون : معنى ذلك : فامسحوا بجميع رءوسكم . قالوا : إن لم يمسح بجميع رأسه بالماء لم تجزه الصلاة بوضوئه ذلك .

ذكر من قال ذلك :

11446 - حدثني يونس بن عبد الأعلى قال : حدثنا أشهب قال : قال مالك : من مسح بعض رأسه ولم يعم أعاد الصلاة بمنزلة من غسل بعض وجهه أو بعض ذراعه . قال : وسئل مالك عن مسح الرأس ، قال : يبدأ من مقدم وجهه ، فيدير يديه إلى قفاه ، ثم يردهما إلى حيث بدأ منه .

وقال آخرون : لا يجزئ مسح الرأس بأقل من ثلاث أصابع . وهذا قول أبي حنيفة ، وأبي يوسف ومحمد . [ ص: 51 ]

قال أبو جعفر : والصواب من القول في ذلك عندنا ، أن الله جل ثناؤه أمر بالمسح برأسه القائم إلى صلاته مع سائر ما أمره بغسله معه أو مسحه ، ولم يحد ذلك بحد لا يجوز التقصير عنه ولا يجاوزه . وإذ كان ذلك كذلك ، فما مسح به المتوضئ من رأسه فاستحق بمسحه ذلك أن يقال : "مسح برأسه" ، فقد أدى ما فرض الله عليه من مسح ذلك لدخوله فيما لزمه اسم "ماسح برأسه" إذا قام إلى صلاته .

فإن قال لنا قائل : فإن الله قد قال في التيمم : ( فامسحوا بوجوهكم وأيديكم ) [ سورة النساء : 43 ] أفيجزئ المسح ببعض الوجه واليدين في التيمم ؟

قيل له : كل ما مسح من ذلك بالتراب فيما تنازعت فيه العلماء فقال بعضهم : "يجزيه ذلك من التيمم" ، وقال بعضهم : "لا يجزيه" فهو مجزئه ، لدخوله في اسم"الماسحين به" .

وما كان من ذلك مجمعا على أنه غير مجزئه ، فمسلم لما جاءت به الحجة نقلا عن نبيها صلى الله عليه وسلم . ولا حجة لأحد علينا في ذلك ، إذ كان من قولنا : إن ما جاء في آي الكتاب عاما في معنى ، فالواجب الحكم أنه على عمومه ،

حتى يخصه ما يجب التسليم له ، فإذا خص منه شيء ، كان ما خص منه خارجا من ظاهره ، وحكم سائره على العموم .

وقد بينا العلة الموجبة صحة القول بذلك في غير هذا الموضع ، بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع .

و"الرأس" الذي أمر الله جل وعز بالمسح به بقوله : "وامسحوا برءوسكم [ ص: 52 ] وأرجلكم إلى الكعبين " هو منابت شعر الرأس دون ما جاوز ذلك إلى القفا مما استدبر ، ودون ما انحدر عن ذلك مما استقبل من قبل وجه إلى الجبهة .

التالي السابق


الخدمات العلمية