الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                ( كتاب اللعان ) :

                                                                                                                                الكلام في اللعان يقع في مواضع : في بيان صورة اللعان وكيفيته ، وفي بيان صفة اللعان ، وفي بيان سبب وجوبه ، وفي بيان شرائط الوجوب والجواز ، وفي بيان ما يظهر به سبب الوجوب عند القاضي ، وفي بيان معنى اللعان وماهيته شرعا ، وفي بيان حكم اللعان ، وفي بيان ما يسقط اللعان بعد وجوبه ، وفي بيان حكمه إذا سقط أو لم يجب أصلا مع وجود القذف .

                                                                                                                                ( أما ) .

                                                                                                                                صورة اللعان وكيفيته فالقذف لا يخلو إما أن يكون بالزنا أو بنفي الولد .

                                                                                                                                فإن كان بالزنا فينبغي للقاضي أن يقيمهما بين يديه متماثلين فيأمر الزوج أولا أن يقول أربع مرات : أشهد بالله إني لمن الصادقين فيما رميتها به من الزنا ، ويقول في الخامسة : لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين فيما رميتها به من الزنا ، ثم يأمر المرأة أن تقول أربع مرات : أشهد بالله إنه لمن الكاذبين فيما رماني به من الزنا ، وتقول في الخامسة : غضب الله عليها إن كان من الصادقين فيما رماني به من الزنا .

                                                                                                                                هكذا ذكر في ظاهر الرواية وروى الحسن عن أبي حنيفة أنه يحتاج إلى لفظ المواجهة فيقول الزوج : فيما رميتك به من الزنا وتقول المرأة : فيما رميتني به من الزنا وهو قول زفر ووجهه أن خطاب المعاينة فيه احتمال ; لأنه يحتملها ويحتمل غيرها ولا احتمال في خطاب المواجهة فالإتيان بلفظ لا احتمال فيه أولى والجواب أنه لما قال : أشهد بالله أني لمن الصادقين فيما رميتها به من الزنا وأشار إليها فقد زال الاحتمال لتعيينها بالإشارة فكان لفظ المواجهة والمعاينة فيه سواء ، وإن كان اللعان بنفي الولد فقد ذكر الكرخي أن الزوج يقول في كل مرة : فيما رميتك به من نفي ولدك ، وتقول المرأة : فيما رميتني به من نفي ولدي .

                                                                                                                                وذكر الطحاوي أن الزوج يقول في كل مرة : فيما رميتها به من الزنا في نفي ولدها ، وتقول المرأة : فيما رماني به من الزنا في نفي ولده .

                                                                                                                                وروى هشام عن محمد أنه قال : إذا لاعن الرجل بولد فقال في اللعان : أشهد بالله أني لمن الصادقين فيما رميتها به من الزنا في نفي ولدها بأن هذا الولد ليس مني ، وتقول المرأة : أشهد بالله إنك لمن الكاذبين فيما رميتني به من الزنا بأن هذا الولد ليس منك .

                                                                                                                                وذكر ابن سماعة عن محمد في نوادره أنه قال إذا نفى الولد يشهد بالله الذي لا إله إلا هو إنه لصادق فيما رماها به من الزنا ونفي هذا الولد قال القدوري : وهذا ليس باختلاف رواية وإنما هو اختلاف حال القذف فإن كان القذف من الزوج بقوله : هذا الولد ليس مني يكفي في اللعان أن يقول : فيما رميتك به من نفي الولد ; لأنه ما قذفها إلا بنفي الولد وإن كان القذف بالزنا ونفي الولد لا بد من ذكر الأمرين ; لأنه قذفها بالأمرين جميعا وإنما بدئ بالرجل لقوله سبحانه وتعالى { والذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم فشهادة أحدهم } والفاء للتعقيب فيقتضي أن يكون لعان الزوج عقيب القذف فيقع لعان المرأة بعد لعانه .

                                                                                                                                وكذا روي أنه لما نزلت آية اللعان وأراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجري اللعان على ذينك الزوجين بدأ بلعان الرجل وهو قدوة ; لأن لعان الزوج وجب حقا لها ; لأن الزوج ألحق بها العار بالقذف فهي بمطالبتها إياه باللعان تدفع العار عن نفسها ودفع العار عن نفسها حقها وصاحب الحق إذا طالب من عليه الحق بإيفاء حقه لا يجوز له التأخير كمن عليه الدين فإن أخطأ الحاكم فبدأ بالمرأة ثم بالرجل ينبغي له أن يعيد اللعان على المرأة ; لأن اللعان شهادة والمرأة بشهادتها تقدح في شهادة الزوج فلا يصح قبل وجود شهادته ; ولهذا في باب الدعاوى يبدأ بشهادة المدعي ثم بشهادة المدعى عليه بطريق الدفع له كذا ههنا فإن لم يعد لعانها حتى فرق بينهما نفذت الفرقة ; لأن تفريقه صادف محل الاجتهاد ; لأنه يزعم أن اللعان ليس بشهادة بل هو يمين ويجوز تقديم [ ص: 238 ] إحدى اليمينين على الأخرى كتحالف المتداعيين أنه لا يلزم مراعاة الترتيب فيه بل يجوز تقديم أحدهما أيهما كان فكان تفريقه في موضع الاجتهاد فنفذ والقيام ليس بشرط كذا روى الحسن عن أبي حنيفة أنه قال : لا يضره قائما لاعن أو قاعدا ; لأن اللعان إما أن يعتبر فيه معنى الشهادة وإما أن يعتبر فيه معنى اليمين أو يعتبر فيه المعنيان جميعا ، والقيام ليس بلازم فيهما إلا أنه يندب إليه ; { لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم ندب عاصما وامرأته إليه فقال : يا عاصم قم فاشهد بالله وقال لامرأته : قومي فاشهدي بالله } ; ولأن اللعان من جانبه قائم مقام حد القذف ومن جانبها قائم مقام حد الزنا والسنة في الحدود إقامتها على الإشهاد والإعلان والقيام أقرب إلى ذلك والله الموفق .

                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                الخدمات العلمية