الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
إحداهما: الإقرار بمعرفة الله تعالى، وهي العهد الذي أخذه عليهم في أصلاب آبائهم، حين مسح ظهر آدم، فأخرج من ذريته إلى يوم القيامة أمثال الذر، وأشهدهم على أنفسهم، ألست بربكم؟ قالوا: بلى، فليس أحد إلا وهو يقر بأن له صانعا ومدبرا، وإن سماه بغير اسمه.

قال تعالى: ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله [سورة الزخرف:87]، فكل مولود يولد على ذلك الإقرار الأول).

قال: (وليس الفطرة ها هنا الإسلام، لأمرين:

أحدهما: أن معنى الفطرة: ابتداء الخلقة. ومنه قوله تعالى: فاطر السماوات والأرض [سورة فاطر:1]، أي: مبتدئهما. وإذا كانت الفطرة هي الابتداء، وجب أن تكون تلك هي وقعت لأول الخلق، وجرت في فطرة المعقول، وهو استخراجهم ذرية، لأن تلك حالة ابتدائهم، ولأنها لو كانت الفطرة هنا: الإسلام لوجب إذا ولد من بين أبوين كافرين ألا يرثهما ولا يرثانه، ما دام طفلا، لأنه مسلم، واختلاف [ ص: 360 ] الدين يمنع الإرث، ولوجب ألا يصح استرقاقه، ولا يصح إسلامه بإسلام أبيه، لأنه مسلم) .

قال: (وهذا تأويل ابن قتيبة، ذكره في إصلاح الغلط على أبي عبيد، وذكره أبو عبد الله ابن بطة في الإبانة.

قال: (وليس كل من ثبت له المعرفة حكم بإسلامه، كالبالغين من الكفار فإن المعرفة حاصلة لهم وليسوا بمسلمين).

قال: (وقد أومأ أحمد إلى هذا التأويل في رواية الميموني، فقال: الفطرة الأولى التي فطر الله عليها، فقال له الميموني: الفطرة: الدين؟ قال: نعم) .

قال القاضي: (وأراد أحمد بالدين: المعرفة التي ذكرناها) .

قال: (والرواية الثانية: الفطرة هنا: ابتداء خلقه في بطن أمه) .

قال: لأن حمله على العهد الذي أخذه عليهم، وهو الإقرار بمعرفة الله تعالى، حمل للفطرة على الإسلام، لأن الإقرار بالمعرفة إقرار بالإيمان، والمؤمن مسلم) .

قال: (ولو كانت الفطرة الإسلام لوجب إذا ولد بين أبوين كافرين ألا يرثهما ولا يرثانه، لأن ذلك يمنع أن يكون الكفر خلقا لله، وقد ثبت من أصولنا أن أفعال العباد خلق لله عن طاعة ومعصية) . [ ص: 361 ]

قال: (وقد أومأ أحمد إلى هذا في رواية علي بن سعيد، وقد سأله عن كل مولود يولد على الفطرة، فقال: على الشقاوة والسعادة.

وكذلك نقل محمد بن يحيى الكحال، أنه سأله عن كل مولود يولد على الفطرة، قال: هي التي فطر الناس عليها: شقي أو سعيد.

وكذلك نقل حنبل عنه، قال: الفطرة التي فطر الله العباد من الشقاء والسعادة) .

قال: (وهذا كله يدل من كلامه على أن المراد بالفطرة ها هنا: ابتداء خلقه في بطن أمه) .

التالي السابق


الخدمات العلمية