الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
باب فيما ينتقض به العهد

م1 - واختلفوا: فيما ينتقض به عهد الذمي؟: فقال مالك، والشافعي، وأحمد: ينتقض عهده بمنع الجزية وبإبائه أن تجري أحكام الإسلام عليه إذا حكم حاكم عليه بها.

[ ص: 121 ] وقال أبو حنيفة: لا ينتقض عهدهم، إلا أن يكون لهم منعة يحاربونا بها، أو يلحقوا بدار الحرب.

فإن فعل أحدهم ما يجب عليه تركه والكف عما فيه ضرر على المسلمين أو آحادهم في مال أو نفس، وذلك أحد ثمانية أشياء:

الاجتماع على قتال المسلمين، أو أن يزني بمسلمة أو يصيبها باسم نكاح أو يفتن مسلما عن دينه، أو يقطع عليه الطريق، أو يؤوي للمشركين جاسوسا، أو يعاون على المسلمين بدلالة وهو: أن يكاتب المشركين بأخبار المسلمين، أو يقتل مسلما، أو مسلمة عمدا.

فهل ينتقض عهده بذلك أم لا؟

فقال أبو حنيفة: لا ينتقض بهذه الأشياء الثمانية، ولا بالأمرين المذكورين قبل، إلا أن يكون لهم منعة فيغلبون على موضع ويحاربونا، أو يلحقوا بدار الحرب.

وقال الشافعي: متى قاتل المسلمين انتقض عهده، سواء شرط عليه تركه في العهد أو لم يشترط، فإن فعل ما سوى ذلك من الأشياء السبعة المذكورة، فإن لم يشترط عليهم الكف عن ذلك في العقد لم ينتقض العهد، وإن شرط عليهم الكف عن ذلك في العقد ففيه لأصحابه وجهان: أحدهما أنه لا ينتقض به العهد ، والثاني: أنه ينتقض به العهد.

وقال مالك: لا ينتقض عهدهم من ذلك، بالزنى بالمسلمات، ولا بالإصابة لهن [ ص: 122 ] باسم النكاح، وينتقض بما سوى ذلك إلا في قطعهم الطريق فإن ابن القاسم خاصة - من أصحابه، قال: ينتقض عهدهم بذلك.

وعن أحمد روايتان: أظهرهما: أن عهدهم ينتقض بهذه الأشياء الثمانية المذكورة سواء كانت مشروطة عليهم أو لم تكن.

والرواية الثانية: لا ينتقض العهد إلا بالامتناع من بذل الجزية وجري أحكامنا عليهم، أو بأحدهما.

فإن فعل أحدهم ما فيه غضاضة ونقيصة على الإسلام وهي أربعة أشياء:

ذكر الله عز وجل بما لا يليق بجلاله، أو ذكر كتابه المجيد، أو ذكر دينه القويم، أو رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم بما لا ينبغي.

فهل ينتقض العهد بذلك أم لا؟
فقال أحمد.

ينتقض العهد بذلك، سواء شرط ترك ذلك عليهم أو لم يشرط.

وقال مالك: إذا سبوا الله تعالى أو ورسوله، أو دينه، أو كتابه بغير ما كفروا به فإنه ينتقض عهدهم بذلك، سواء (اشترط ذلك) تركه أو لم يشترط.

وقال أكثر أصحاب الشافعي: إذا فعل من ذلك شيئا فحكمه حكم ما فيه ضرر [ ص: 123 ] على المسلمين، وهي الأشياء السبعة فإن لم يشترط في العقد الكف عنه لم ينتقض العهد وإن شرط الكف عنه فعلى الوجهين:

وقال أبو إسحق المروزي: حكمه حكم الثلاثة الأولى، وهي الامتناع من التزام الجزية، والتزام أحكام المسلمين، والاجتماع على قتالهم.

وقال أبو حنيفة: لا ينتقض العهد بشيء من ذلك، إلا بأن يكون لهم منعة يقدرون معها على المحاربة، أو يلحقوا بدار الحرب.

التالي السابق


الخدمات العلمية