الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 204 ] ثم دخلت سنة تسع وثلاثين وثلاثمائة

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      في هذه السنة المباركة في ذي القعدة منها رد الحجر الأسود المكي إلى مكانه ، وكانت القرامطة قد أخذوه في سنة سبع عشرة وثلاثمائة كما تقدم ، وكان ملكهم إذ ذاك أبو طاهر سليمان بن أبي سعيد الحسن الجنابي ، ولما وقع ذلك ، أعظم المسلمون ذلك جدا ، وقد بذل لهم الأمير بجكم التركي خمسين ألف دينار ; ليردوه إلى موضعه ، فلم يقبلوا ، وقالوا : نحن أخذناه بأمر ، ولا نرده إلا بأمر من أخذناه بأمره .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      فلما كان في هذا العام حملوه إلى الكوفة وعلقوه على الأسطوانة السابعة من جامعها ; ليراه الناس ، وكتب إخوة أبي طاهر كتابا فيه : إنا أخذنا هذا الحجر بأمر ، وقد رددناه بأمر من أمرنا بأخذه ; ليتم حج الناس ومناسكهم . ثم أرسلوه إلى مكة بغير شيء على قعود ، فوصل في ذي القعدة من هذه السنة ، ولله الحمد والمنة . وكان مدة مقامه عندهم ثنتين وعشرين سنة ، ففرح المسلمون بذلك فرحا شديدا .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقد ذكر غير واحد أن القرامطة حين أخذوه حملوه على عدة جمال ، [ ص: 205 ] فعطبت تحته ، واعترى أسنمتها العقر ، ولما ردوه حمله قعود واحد لم يصبه بأس ، ولله الحمد والمنة .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفيها دخل سيف الدولة بن حمدان بجيش كثيف نحو من ثلاثين ألفا إلى بلاد الروم ، فوغل فيها ، وفتح حصونا ، وقتل خلقا ، وأسر أمما ، وغنم شيئا كثيرا ثم رجع فأخذت الروم عليه الدرب الذي يخرج منه ، فقتلوا عامة من معه ، وأسروا بقيتهم ، واستردوا ما كان أخذه لهم ، ونجا سيف الدولة في نفر يسير من أصحابه ، فإنا لله وإنا إليه راجعون .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفيها مات الوزير أبو جعفر الصيمري ، فاستوزر معز الدولة مكانه أبا محمد الحسن بن محمد المهلبي في جمادى الأولى ، فاستفحل أمر عمران بن شاهين الصياد ، وتفاقم الحال به ، وبعث إليه معز الدولة جيشا بعد جيش ، يهزمهم مرة بعد مرة ، ثم عدل معز الدولة إلى مصالحته ، واستعماله له على بعض تلك النواحي .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية