الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                ( كتاب الحضانة ) :

                                                                                                                                الكلام في هذا الكتاب في مواضع : في تفسير الحضانة وفي بيان من له الحضانة ، وفي بيان مدة الحضانة ، وفي بيان مكان الحضانة .

                                                                                                                                أما الأول : فالحضانة في اللغة تستعمل في معنيين : أحدهما جعل الشيء في ناحية يقال : حضن الرجل الشيء أي اعتزله فجعله في ناحية منه ، والثاني : الضم إلى الجنب يقال : حضنته واحتضنته إذا ضممته إلى جنبك ، والحضن الجنب فحضانة الأم ولدها هي ضمها إياه إلى جنبها واعتزالها إياه من أبيه ليكون عندها فتقوم بحفظه وإمساكه وغسل ثيابه ولا تجبر الأم على إرضاعه إلا أن لا يوجد من ترضعه فتجبر عليه وهذا قول عامة العلماء ، وقال مالك : إن كانت شريفة لم تجبر وإن كانت دنية تجبر والصحيح قول العامة لقوله عز وجل { لا تضار والدة بولدها } قيل : في بعض وجوه التأويل أي : لا تضار بإلزام الإرضاع مع كراهتها وقوله عز وجل في المطلقات { فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن } جعل تعالى أجر الرضاع على الأب لا على الأم مع وجودها ; فدل أن الرضاع ليس على الأم وقوله عز وجل { وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف } أي : رزق الوالدات المرضعات فإن أريد به المطلقات ; ففيه أنه لا إرضاع على الأم حيث أوجب بدل الإرضاع على الأب مع وجود الأم وإن أريد به المنكوحات كان المراد منه - والله عز وجل أعلم - إيجاب زيادة النفقة على الأب للأم المرضعة لأجل الولد ، وإلا فالنفقة تستحقها المنكوحة من غير ولد ولأن الإرضاع إنفاق على الولد ونفقة الولد يختص بها الوالد لا يشاركه فيها الأم كنفقته بعد الاستغناء .

                                                                                                                                فكما لا تجب عليها نفقته بعد الاستغناء ; لا تجب عليها قبله ، وهو إرضاعه وهذا في الحكم .

                                                                                                                                وأما في الفتوى فتفتى بأنها ترضعه لقوله تعالى { لا تضار والدة بولدها } قيل في بعض تأويلات الآية : أي لا تضار بولدها بأن ترميه على الزوج بعد ما عرفها وألفها ولا ترضعه فيتضرر الولد ومتى تضرر الولد تضرر الوالد ; لأنه يتألم قلبه بذلك ، وقد قال الله تعالى { ولا مولود له بولده } أي : لا يضار المولود له بسبب الإضرار بولده كذا قيل : في بعض وجوه التأويل ولأن النكاح عقد سكن وازدواج وذلك لا يحصل إلا باجتماعهما على مصالح النكاح ومنها إرضاع الولد فيفتى به ولكنها إن أبت لا تجبر عليه ; لما قلنا ، إلا إذا كان لا يوجد من يرضعه فحينئذ تجبر على إرضاعه ; إذ لو لم تجبر عليه لهلك الولد ، ولو التمس الأب لولده مرضعا فأرادت الأم أن ترضعه بنفسها فهي أولى ; لأنها أشفق عليه ولأن في انتزاع الولد منها إضرارا بها وإنه منهي عنه لقوله عز وجل { لا تضار والدة بولدها } قيل في بعض الأقاويل : أي لا يضارها زوجها بانتزاع الولد منها وهي تريد إمساكه وإرضاعه فإن أرادت أن تأخذ على ذلك أجرا في صلب النكاح لم يجز لها ذلك ; لأن الإرضاع وإن لم يكن مستحقا عليها في الحكم فهو مستحق في الفتوى ولا يجوز أخذ [ ص: 41 ] الأجر على أمر مستحق ; لأنه يكون رشوة ولأنها قد استحقت نفقة النكاح وأجرة الرضاع ، وأجرة الرضاع بمنزلة النفقة فلا تستحق نفقتين ولأن أجر الرضاع يجب لحفظ الصبي وغسله وهو من نظافة البيت ، ومنفعة البيت تحصل للزوجين فلا يجوز لها أن تأخذ عوضا عن منفعة تحصل لها حتى لو استأجرها على إرضاع ولده من غيرها جاز ; لأن ذلك غير واجب عليها فلا يكون أخذ الأجرة على فعل واجب عليها وكذا ليس في حفظه منفعة تعود إليها ; لأنه لا يجب عليها أن تسكنه معها وكذلك إذا كانت معتدة من طلاق رجعي لا يحل لها أن تأخذ الأجرة كما لا يجوز في صلب النكاح ; لأن النكاح بعد الطلاق الرجعي قائم من كل وجه .

                                                                                                                                وأما المبتوتة ففيها روايتان : في رواية : لا يجوز لها أن تأخذ الأجر ; لأنها مستحقة للنفقة والسكنى في حال قيام العدة فلا يحل لها الأجرة كما لا يحل للزوجة ، وفي رواية : يجوز ; لأن النكاح قد زال بالإبانة فصارت كالأجنبية وأما إذا انقضت عدتها فالتمست أجرة الرضاع وقال الأب : أنا أجد من يرضعه بغير أجر أو بأقل من ذلك فذلك له لقوله تعالى { وإن تعاسرتم فسترضع له أخرى } ولأن في إلزام الأب بما تلتمسه الأم إضرارا بالأب وقد قال الله سبحانه وتعالى { ولا مولود له بولده } أي : لا يضار الأب بالتزام الزيادة على ما تلتمسه الأجنبية كذا ذكر في بعض التأويلات ولكن ترضعه عند الأم ولا يفرق بينهما لما فيه من إلحاق الضرر بالأم والله أعلم .

                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                الخدمات العلمية