الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
[ ص: 73 ] باب

ذكر حكم النون الساكنة وما بعدها ، في حال البيان والإدغام والإخفاء

اعلم أن النون الساكنة إذا أتى بعدها حروف الحلق الستة فإنه تجعل عليها علامة السكون جرة صغيرة ، أو دارة لطيفة ، كما مضى في نقط الساكن من الحروف . وتجعل على حرف الحلق بعدها نقطة فقط . فيدل بذلك على أن النون مبينة عنده ، وأن مخرجها معه من طرف اللسان . وذلك في نحو قوله : من ءامن ، و من هاد ، و من حاد الله ، و من عمل ، و من خير ، و من غل ، وشبهه .

فإن أتى بعدها ما تدغم فيه إدغاما صحيحا ، وتدخل فيه إدخالا شديدا ، وهو الراء واللام والنون والميم ، وكذلك الياء والواو ، على مذهب من أذهب غنة النون عندهما ، ولم يبق لها أثرا مع الإدغام ، عريت النون من علامة [ ص: 74 ] السكون ، وجعل على الحروف الستة علامة التشديد . فيدل بذلك على الإدغام التام الذي يذهب لفظ النون فيه . وذلك نحو قوله : من ربهم ، و فإن لم تفعلوا ، و من نور ، و من ماء ، و من يقول ، و من وال ، وشبهه .

وإن نقط ذلك على مذهب من بين غنة النون عند الراء واللام والياء والواو مع الإدغام ، ففي النون وهذه الحروف وجهان ؛ أحدهما : أن تعرى النون من علامة السكون ، ويعرى الحرف بعدها من علامة التشديد ، فتجعل عليه نقطة لا غير ، فيدل بذلك على أن النون لم تنقلب إلى لفظ ذلك الحرف قلبا صحيحا ، ولا أدغمت فيه إدغاما تاما . وهذا كان مذهب شيخنا أبي الحسن علي بن محمد بن بشر - نضر الله وجهه - في نقط ذلك ، من حيث كان ضربا من الإخفاء الذي يعدم القلب والتشديد فيه رأسا ، ولم يكن إدغاما صحيحا . والوجه الثاني : أن تجعل على النون علامة السكون ، لظهور غنتها ، وتجعل على الحرف بعدها علامة التشديد ، لاندغام صوت النون الذي لها من الفم فيه ، وحصول شيء من التشديد فيه بذلك . فيدل بذلك على الإدغام الذي يبقى فيه للنون صوتها الذي لها من الخيشوم ، وهو الغنة ، ولا يقلب الحرف فيه قلبا تاما . وهذا المذهب في الاستعمال أولى ، وفي القياس أصح ، لما ذكرناه .

[ ص: 75 ] فإن أتى بعد النون باقي حروف المعجم ، مما حكمها أن تخفى عنده ، عريت النون من علامة السكون ، وعري ما بعدها من علامة التشديد ، فجعل عليه نقطة لا غير . فدل بذلك على الإخفاء الذي هو حال بين البيان والإدغام . وذلك من حيث كان تعرية النون من علامة السكون دليلا على الإدغام ، وكان تعرية ما بعدها من علامة التشديد دليلا على البيان .

وكذا حكم الخاء والغين معها ، في مذهب من أخفاها عندهما ، ولم يبينها . ومخرج النون في حال الإخفاء من الخيشوم ، ولا عمل للسان فيها . وذلك في نحو قوله : ولئن قلت ، و وإن كنتم ، و من جهنم ، و من شيء ، و أن صدوكم ، و فإن زللتم ، و " لئن سألتهم " ، و قل إن ضللت ، و " إن فاتكم " ، وشبهه .

وكذا حكم النون إذا لقيت الباء ، وقلبت ميما في اللفظ ؛ لمؤاخاة الميم النون في الغنة ، وقربها من الباء في المخرج ، نحو قوله : من بعد ، و أن بورك ، و فانبجست ، وشبهه ، أن تعرى النون من علامة السكون ، [ ص: 76 ] وتعرى الباء بعدها من علامة التشديد . وإن جعل على النون ميم صغرى بالحمرة ؛ ليدل بذلك على انقلابها إلى لفظها ؛ كان حسنا . غير أن الأول هو الذي أختار ، وبه أقول ، وبالله التوفيق .

التالي السابق


الخدمات العلمية