الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قوله عز وجل:

أمن هذا الذي يرزقكم إن أمسك رزقه بل لجوا في عتو ونفور أفمن يمشي مكبا على وجهه أهدى أمن يمشي سويا على صراط مستقيم قل هو الذي أنشأكم وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة قليلا ما تشكرون قل هو الذي ذرأكم في الأرض وإليه تحشرون ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين

هذا أيضا توقيف على أمر لا مدخل للأصنام فيه، والإشارة بالرزق إلى المطر لأنه أعظم الأرزاق، ثم أخبر تعالى عنهم أنهم لجوا وتمادوا في التمنع عن طاعة الله تعالى، وهو العتو، "والنفور" البعد عن الحق بسرعة ومبادرة، يقال: نفر عن الأمر نفورا، و نفر إلى الأمر نفيرا، ونفرت الدابة نفارا.

واختلف أهل التأويل في سبب قوله تعالى: أفمن يمشي مكبا الآية، فقال جماعة من رواة الأسباب: نزلت مثلا لحمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه ولأبي جهل بن هشام وقال ابن عباس ، وابن الكلبي وغيرهما: نزلت مثلا لمحمد صلى الله عليه وسلم ولأبي جهل بن هشام ، وقال ابن عباس أيضا ومجاهد ، والضحاك : نزلت للمؤمنين والكافرين على العموم، وقال قتادة : نزلت مخبرة بأحوال القيامة، وإن الكفار يمشون فيها على وجوههم، والمؤمنون يمشون على استقامة، وقيل للنبي صلى الله عليه وسلم: كيف يمشي الكافر على وجهه؟ فقال: "الذي أمشاه في الدنيا على قدميه قادر أن يمشيه في الآخرة على وجهه" .

قال القاضي أبو محمد رحمه الله:

فوقف الكفار على ما بين الحالتين حينئذ، ففي الأقوال الثلاثة الأول المشي مجاز [ ص: 361 ] يتخيل، وفي القول الرابع هو حقيقة يقع يوم القيامة.

ويقال: "أكب الرجل" إذا رد وجهه إلى الأرض، و"كبه غبره"، قال عليه الصلاة والسلام: "وهل يكب الناس في النار على منخارهم إلا حصائد ألسنتهم"؟ فهذا الفعل خلاف للباب، أفعل لا يتعدى، وفعل يتعدى، ونظيره "قشعت الريح السحاب فانقشع". و"أهدى" في هذه الآية "أفعل" من الهدى.

وقرأ طلحة : "أمن يمشي" بتخفيف الميم، وأفرد تعالى السمع لأنه اسم جنس يقع للقليل والكثير "وقليلا" نصب بفعل مضمر، و"ما" مصدرية، وهي في موضع رفع، وقوله تعالى: قليلا ما تشكرون يقتضي ظاهره أنهم يشكرون قليلا، فهذا إما أن يريد به ما عسى أن يكون للكافر من شكر، وهو قليل غير نافع ، وإما أن يريد نفي الشكر عنهم جملة فعبر بالعلة، كما تقول العرب: "هذه أرض قلما تنبت كذا" وهي لا تنبته البتة، ومن شكر رسول الله صلى الله عليه وسلم على هذه النعمة أنه كان يقول في سجوده: "سجد وجهي للذي خلقه وصوره وشق سمعه وبصره".

[ ص: 362 ] و"ذرأكم" معناه: بثكم، و"الحشر" المشار إليه هو بعث القيامة، وإليه أشار بقوله تعالى: ( هذا الوعد ) ، فأخبر تعالى أنهم يستعجلون أمر القيامة ويوقفون على الصدق، في الإخبار بذلك.

التالي السابق


الخدمات العلمية