الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                            صفحة جزء
                                                                                            37 - 125 - ( باب ما جاء في عمرو بن العاص - رضي الله عنه - )

                                                                                            15890 عن راشد مولى حبيب بن أوس الثقفي قال : حدثني عمرو بن العاص من فيه إلى في قال : لما انصرفنا من الأحزاب عن الخندق ، جمعت رجالا من قريش كانوا يرون مكاني ويسمعون مني ، فقلت لهم : تعلمون والله إني لأرى أمر محمد - صلى الله عليه وسلم - يعلو الأمور علوا كبيرا منكرا ، وإني قد رأيت أمرا فما ترون فيه ؟ قالوا : وما رأيت ؟ قلت : رأيت أن نلحق بالنجاشي فنكون عنده ، فإن ظهر محمد على قومنا كنا [ ص: 351 ] عند النجاشي ، فإنا أن نكون تحت يديه أحب إلينا من أن نكون تحت يدي محمد ، وإن ظهر قومنا فنحن من قد عرفوا ، فلن يأتينا منهم إلا خير . قالوا : إن هذا الرأي . قال : قلت لهم : فاجمعوا لي ما يهدى ، وكان أحب ما يهدى إليه من أرضنا الأدم ، فجمعنا له أدما كثيرا ، ثم خرجنا حتى قدمنا عليه ، فوالله إنا لعنده إذ جاء عمرو بن أمية الضمري ، وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد بعثه إليه في شأن جعفر وأصحابه ، فلما دخل إليه وخرج من عنده قال : فقلت لأصحابي : هذا عمرو بن أمية لو قد دخلت على النجاشي وسألته إياه فأعطانيه ، فضربت عنقه ، فإذا فعلت ذلك رأت قريش أني قد أجزأت عنها حين قتلت رسول محمد - صلى الله عليه وسلم - .

                                                                                            قال : فدخلت عليه فسجدت له كما كنت أصنع ، فقال : مرحبا بصديقي ، أهديت لي من بلادك شيئا ؟ قال : قلت : نعم ، أيها الملك ثم قلت : أيها الملك لقد أهديت لك أدما كثيرا ، ثم قدمته إليه ، فأعجبه واشتهاه ثم قلت : أيها الملك إني رأيت رجلا خرج من عندك وهو رسول رجل عدو لنا ، فأعطنيه فأقتله ; فإنه قد أصاب من أشرافنا وخيارنا .

                                                                                            قال : فغضب ، ومد يده وضرب بها أنفه ضربة ظننت أنه قد كسره ، فلو انشقت لي الأرض لدخلت فيها فرقا منه . ثم قلت : أيها الملك ، والله لو ظننت أنك تكره هذا ما سألته . قال : تسألني أن أعطيك رسول رجل يأتيه الناموس الأكبر الذي كان يأتي موسى لتقتله ؟ قال : قلت : أيها الملك ، أكذاك هو ؟ قال : ويحك يا عمرو ! أطعني واتبعه; فإنه والله لعلى الحق ، وليظهرن على من خالفه كما ظهر موسى على فرعون وجنوده . قال : فتبايعني له على الإسلام ؟ قال : نعم ، فبسط يده ، وبايعه على الإسلام . ثم خرجت إلى أصحابي وقد حال رأيي عما كنت عليه ، وكتمت أصحابي إسلامي ، ثم خرجت عامدا لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلقيت خالد بن الوليد وكان قبيل الفتح وهو مقبل من مكة ، فقلت : يا أبا سليمان قال : والله لقد استقام الميسم ، وإن الرجل نبي ، اذهب فأسلم ، فحتى متى ؟ قال : قلت : والله ما جئت إلا لأسلم قال : فقدمنا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فتقدم خالد بن الوليد فأسلم وبايع ، ثم دنوت فقلت : يا رسول الله ، إني أبايعك على أن تغفر لي ما تقدم من ذنبي ولا أذكر ما تأخر ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " يا عمرو ، بايع فإن الإسلام يجب ما كان قبله ، وإن الهجرة تجب ما كان قبلها " . قال : فبايعته ثم انصرفت
                                                                                            .

                                                                                            قال ابن إسحاق : وقد حدثني من لا أتهم : أن عثمان بن طلحة بن أبي طلحة كان معهما أسلم حين أسلما . رواه أحمد ، والطبراني إلا أنه قال : حدثني عمرو بن العاص من فيه إلى أذني ، ورجالهما ثقات .

                                                                                            التالي السابق


                                                                                            الخدمات العلمية