الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 639 ] 303

ثم دخلت سنة ثلاث وثلاثمائة

ذكر أمر الحسين بن حمدان

في هذه السنة خرج الحسين بن حمدان بالجزيرة عن طاعة المقتدر . وسبب ذلك أن الوزير علي بن عيسى طالبه بمال عليه من ديار ربيعة ، وهو يتولاها ، فدافعه ، فأمره بتسليم البلاد إلى عمال السلطان ، فامتنع .

وكان مؤنس الخادم غائبا بمصر لمحاربة عسكر المهدي العلوي ، صاحب إفريقية ، فجهز الوزير رائقا الكبير في جيش وسيره إلى الحسين بن حمدان . وكتب إلى مؤنس يأمره بالمسير إلى ديار الجزيرة لقتال الحسين ، بعد فراغه من أصحاب العلوي ، فسار رائق إلى الحسين بن حمدان .

( وجمع لهم الحسين نحو عشرين ) ألف فارس ، وسار إليهم فوصل إلى الحبشة وهم قد قاربوها ، فلما رأوا كثرة جيشه علموا عجزهم عنه لأنهم كانوا أربعة آلاف فارس ، فانحازوا إلى جانب دجلة ، ونزلوا بموضع ليس له طريق إلا من وجه واحد ، وجاء الحسين فنزل عليهم وحصرهم ، ومنع الميرة عنهم من فوق ومن أسفل ، فضاقت عليهم الأقوات والعلوفات ، فأرسلوا إليه يبذلون له أن يوليه الخليفة ما كان بيده ويعود عنهم ، فلم يجب إلى ذلك ولزم حصارهم ، وأدام قتالهم إلى أن عاد مؤنس من الشام ، فلما سمع العسكر بقربه قويت نفوسهم وضعفت نفوس الحسين ومن معه ، فخرج العسكر إليه ليلا وكبسوه ، فانهزم وعاد إلى ديار ربيعة ، وسار العسكر فنزلوا على الموصل .

[ ص: 640 ] وسمع مؤنس خبر الحسين ، وجد مؤنس في المسير نحو الحسين ، واستصحب معه أحمد بن كيغلغ ، فلما قرب منه راسله الحسين يعتذر ، وترددت الرسل بينهما ، فلم يستقر حال ، فرحل مؤنس نحو الحسين حتى نزل بإزاء جزيرة ابن عمر ، ورحل الحسين نحو أرمينية مع ثقله وأولاده ، وتفرق عسكر الحسين عنه ، وصاروا إلى مؤنس .

ثم إن مؤنسا جهز جيشا في أثر الحسين ، مقدمهم بليق ومعه سيما الجزري ، وجنى الصفواني ، فتبعوه إلى تل فافان ، فرأوها خاوية على عروشها ، قد قتل أهلها وأحرقها ، فجدوا في اتباعه فأدركوه فقاتلوه ، فانهزم من بقي من أصحابه ، وأسر هو ومعه ابنه عبد الوهاب وجميع أهله وأكثر من صحبه ، وقبض أملاكه .

وعاد مؤنس إلى بغداذ على [ طريق ] الموصل والحسين معه ، فأركب على جمل هو وابنه وعليهما البرانس ، واللبود الطوال ، وقمصان من شعر أحمر وحبس الحسين وابنه عند زيدان القهرمانة ، وقبض المقتدر على أبي الهيجاء بن حمدان ( وعلى جميع إخوته وحبسوا ، وكان قد هرب بعض أولاد الحسين بن حمدان ) ، فجمع جمعا ومضى نحو آمد ، فأوقع بهم مستحفظها ، وقتل ابن الحسين وأنفذ رأسه إلى بغداذ .

التالي السابق


الخدمات العلمية