الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ذكر قصة تبع]

ثم ملك من بعده تبع بن زيد بن عمرو بن تبع بن أبرهة بن ذي المنار بن الرائش بن قيس بن صيفي بن سبأ .

وكان تبع هذا في أيام بشتاسب وبهمن ، وأنه شخص متوجها من اليمن حتى خرج على جبلي طيئ ، ثم سار يريد الأنبار ، فلما انتهى إلى موضع الحيرة تحير ، وذلك في الليل ، فأقام مكانه فسمي ذلك الموضع الحيرة .

ثم سار وخلف به قوما من الأزد ولخم وجذام وعاملة وقضاعة ، فبنوا وأقاموا به ، ثم توجه إلى الأنبار ، ثم إلى الموصل ، ثم أذربيجان ، فلقي الترك بها فهزمهم وقتل المقاتلة ، وسبى الذرية ، ثم انكفأ راجعا إلى اليمن ، فهابته الملوك وأهدت إليه ، ثم غزا الصين فاكتسح ما فيها ، وقتل مقاتلتها .

أنبأنا يحيى بن ثابت بن بندار ، قال: أخبرنا أبي ، قال: أخبرنا أبو علي بن دوما ، قال: أخبرنا مخلد بن جعفر ، قال: أخبرنا الحسن بن علي القطان ، قال: أخبرنا إسماعيل بن عيسى العطار ، قال: أخبرنا إسحاق بن بشر ، قال: حدثنا علي بن عاصم ، قال: أخبرني عمران بن حدير ، عن أبي مجلز ، قال: جاء ابن عباس إلى عبد الله بن سلام فسأله فقال: سمعت الله تعالى يذكر تبعا فلم يذمه وذم قومه ، فقال: نعم ، إن تبعا غزا بيت المقدس فسبى أولاد الأحبار ، فقدم بهم على قومه ، فأعجب بفتية منهم ، فجعل يدنيهم ويسمع منهم ، وجعل الفتية يخبرونه عن الله عز وجل وما في الآخرة ، فأعجب بهم فتكلم قومه ، فقالوا: إن هؤلاء الفتية قد غلبونا على تبع ونخاف أن يدخلوه في دينهم . فبلغ تبعا ما يقول قومه ، فأعلم الفتية بذلك ، فقالوا: بيننا وبينهم النصيف ، قال: وما هو؟ قالوا: النار التي تحرق الكاذب ويبرأ فيها الصادق .

فأرسل إلى أحبار قومه فأدخلهم عليه ، فقال: اسمعوا ما يقول هؤلاء ، قالوا: وما يقولون؟ قال: يقولون إن لنا ربا خلقنا وإليه نعود ، وإن بين أيدينا جنة ونارا ، فإن أبيتم علينا فإن بيننا وبينكم النار التي تحرق الكاذب . قالوا: قد رضينا . [ ص: 416 ]

فمر الفتية في النار وخرجوا منها ، فاختار تبع من قومه عدتهم ، فقال: ادخلوها ، فلما دخلوها أحرقتهم ، فأسلم تبع وكان رجلا صالحا ، فذكره الله تعالى ولم يذمه وذم قومه .

وروى سفيان ، عن قتادة ، قال: كان تبع رجلا من حمير سار بالجنود حتى أتى الحيرة ، ثم أتى سمرقند فهدمها .

أخبرنا ابن الحصين ، قال: أخبرنا ابن المذهب ، قال: أخبرنا القطيعي ، قال: حدثنا عبد الله بن أحمد ، قال: حدثني أبي ، قال: حدثنا حسن بن موسى ، قال: حدثنا ابن لهيعة ، قال: حدثنا أبو زرعة عمرو بن جابر ، عن سهل بن سعد ، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لا تسبوا تبعا فإنه قد كان أسلم" .

وقال أبو الحسين بن المنادي: ليس ببعيد أن يكون قوم تبع نسبوا إليه؛ لأنه نبي .

وقد ذهب قوم إلى أنه كان في الفترة بعد عيسى . والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية