الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                        إنا بلوناهم كما بلونا أصحاب الجنة إذ أقسموا ليصرمنها مصبحين ولا يستثنون فطاف عليها طائف من ربك وهم نائمون فأصبحت كالصريم فتنادوا مصبحين أن اغدوا على حرثكم إن كنتم صارمين فانطلقوا وهم يتخافتون أن لا يدخلنها اليوم عليكم مسكين وغدوا على حرد قادرين فلما رأوها قالوا إنا لضالون بل نحن محرومون قال أوسطهم ألم أقل لكم لولا تسبحون قالوا سبحان ربنا إنا كنا ظالمين فأقبل بعضهم على بعض يتلاومون قالوا يا ويلنا إنا كنا طاغين عسى ربنا أن يبدلنا خيرا منها إنا إلى ربنا راغبون كذلك العذاب ولعذاب الآخرة أكبر لو كانوا يعلمون

                                                                                                                                                                                                                                        يقول تعالى: إنا بلونا هؤلاء المكذبين بالخير وأمهلناهم، وأمددناهم بما شئنا من مال وولد، وطول عمر، ونحو ذلك، مما يوافق أهواءهم، لا لكرامتهم علينا، بل ربما يكون استدراجا لهم من حيث لا يشعرون فاغترارهم بذلك نظير اغترار أصحاب الجنة، الذين هم فيها شركاء، حين أينعت أشجارها، وزهت ثمارها وآن وقت صرامها، وجزموا أنها في أيديهم، وطوع أمرهم، وأنه ليس ثم مانع يمنعهم منها، ولهذا أقسموا وحلفوا من غير استثناء، أنهم سيصرمونها أي: يجذونها مصبحين، ولم يدروا أن الله بالمرصاد، وأن العذاب سيخلفهم عليها، ويبادرهم إليها.

                                                                                                                                                                                                                                        فطاف عليها طائف من ربك أي: عذاب نزل عليها ليلا وهم نائمون فأبادها وأتلفها فأصبحت كالصريم أي: كالليل المظلم، ذهبت الأشجار والثمار، [ ص: 1868 ] هذا وهم لا يشعرون بهذا الواقع الملم، ولهذا تنادوا فيما بينهم، لما أصبحوا يقول بعضهم لبعض: أن اغدوا على حرثكم إن كنتم صارمين فانطلقوا قاصدين لها وهم يتخافتون فيما بينهم، بمنع حق الله، ويقولون: لا يدخلنها اليوم عليكم مسكين أي: بكروا قبل انتشار الناس، وتواصوا مع ذلك، بمنع الفقراء والمساكين، ومن شدة حرصهم وبخلهم، أنهم يتخافتون بهذا الكلام مخافتة، خوفا أن يسمعهم أحد، فيخبر الفقراء.

                                                                                                                                                                                                                                        وغدوا في هذه الحالة الشنيعة، والقسوة، وعدم الرحمة على حرد قادرين أي: على إمساك ومنع لحق الله، جازمين بقدرتهم عليها.

                                                                                                                                                                                                                                        فلما رأوها على الوصف الذي ذكر الله كالصريم قالوا من الحيرة والانزعاج. إنا لضالون أي: تائهون عنها، لعلها غيرها، فلما تحققوها، ورجعت إليهم عقولهم قالوا: بل نحن محرومون منها، فعرفوا حينئذ أنه عقوبة، فـ قال أوسطهم أي: أعدلهم، وأحسنهم طريقة ألم أقل لكم لولا تسبحون أي: تنزهون الله عما لا يليق به، ومن ذلك، ظنكم أن قدرتكم مستقلة، فلولا استثنيتم وقلتم: شاء الله وجعلتم مشيئتكم تابعة لمشيئته، لما جرى عليكم ما جرى، فقالوا سبحان ربنا إنا كنا ظالمين أي: استدركوا بعد ذلك، ولكن بعد ما وقع العذاب على جنتهم، الذي لا يرفع، ولكن لعل تسبيحهم هذا، وإقرارهم على أنفسهم بالظلم، ينفعهم في تخفيف الإثم ويكون توبة، ولهذا ندموا ندامة عظيمة.

                                                                                                                                                                                                                                        فأقبل بعضهم على بعض يتلاومون فيما أجروه وفعلوه،

                                                                                                                                                                                                                                        قالوا يا ويلنا إنا كنا طاغين أي: متجاوزين للحد في حق الله، وحق عباده.

                                                                                                                                                                                                                                        عسى ربنا أن يبدلنا خيرا منها إنا إلى ربنا راغبون فهم رجوا الله أن يبدلهم خيرا منها، ووعدوا أن سيرغبون إلى الله، ويلحون عليه في الدنيا، فإن كانوا كما قالوا، فالظاهر أن الله أبدلهم في الدنيا [ ص: 1869 ] خيرا منها لأن من دعا الله صادقا، ورغب إليه ورجاه، أعطاه سؤله.

                                                                                                                                                                                                                                        قال تعالى معظما ما وقع: كذلك العذاب أي: الدنيوي لمن أتى بأسباب العذاب أن يسلبه الله العبد الشيء الذي طغى به وبغى، وآثر الحياة الدنيا، وأن يزيله عنه، أحوج ما يكون إليه.

                                                                                                                                                                                                                                        ولعذاب الآخرة أكبر من عذاب الدنيا لو كانوا يعلمون فإن من علم ذلك، أوجب له الانزجار عن كل سبب يوجب العقاب ويحرم الثواب .

                                                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية