الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
مثل الطاعات في الزينة

مثل الطاعات في الزينة مثل زينة الثوب المنسوج المنقوش بألوان النقوش فكل من نظر إليه في هذه الزينة ذهل عقله من حسنه وبهائه وسبى قلبه بهجته فالناظرون إلى زينة الأعمال أحق أن تسبى منهم قلوبهم بزينتها وبهائها وبهجتها

قال له قائل ما زينة الأعمال

قال زينتها في لبقها فمن احتظى من اللبق زينها فزينة الثياب إنما ازدادت باجتماع الألوان المنسوجة بعضها ببعض فإذا تلونت على العيون على اختلاف ألوانها ونقوشها التذت بتأليفها فزينة الأعمال في لبقها فمن احتظى من اللبق رأى زينتها

[ ص: 311 ] قال له قائل ضربت المثل بشيء فأفهمنا به فبين لنا نوعا من ذلك نفهم

قال فانظر إلى الصلاة فإنما هي قيام ثم انتصاب ثم تكبير ثم وقوف ثم ثناء ثم تلاوة ثم ركوع ثم سجود ثم جثو ثم ارتغاب ثم تسليم فهذه أفعال مختلفة وأقوال متباينة ولكل فعل زينة ولكل زينة بهاء وبهاؤه من أصله الذي منه بدأ وإليه يعود

فإذا اجتمعت هذه الأنواع على التفاوت بعضها في بعض تلونت 91 وازدانت والتذت القلوب بتلك الأفعال والأقوال ثم المتلذون بها على درجاتهم في الترائي فطائفة منهم تلحظ في أعمالهم إلى حركاتهم فيها على الخضوع والذلة يتذللون لمليكهم بتلك الحركات عبودة وأسرا

وطائفة تلحظ إلى حركاتهم فيها إلى فرح الله بفعل العبيد فهم يتقلبون ويتصرفون فيها التذاذا بفرح الله تعالى ومسراته بتلك الأفعال وقوله لعيسى عليه السلام يا عيسى تحر مسرتي [ ص: 312 ] وهو قوله صلى الله عليه وسلم (لله أفرح بتوبة العبد من أن يضل أحدكم راحلته في أرض فلاة عليها زاده ومتاعه فيضرب يمينا وشمالا فلا يجد فيقول في نفسه أرجع إلى ذلك الموضع فأموت فيه فوطن نفسه على ذلك فإذا رجع إلى ذلك الموضع وجد راحلته قائمة هناك عليها زاده وشرابه ومتاعه

.وكذلك الصوم إنما هو دعوة القلب النفس إلى ترك الشهوات ليومه الذي يريد أن يصبح فيه والنفس تتثاقل وتنفر عن ذلك النفرة التي تنفر وتتثاقل عن تركها حتى إذا أجابت القلب إلى ذلك ارتحل القلب إلى الله تعالى بانقياد النفس له ومتابعتها إياه وقبول القلب من الله تعالى ذلك الترك والكف عن الشهوات من الطعام والشراب والنساء والحفظ للسمع والبصر واللسان عما لا يحل ثم إلى النفس عازما فذاك الارتجاع زينة عمله في العزيمة عند الرجوع إلى النفس وقبوله من الله تعالى فجاء بذلك القبول فأحاط بالنفس فتلك الإحاطة عزيمة القلب وانقياد النفس وثاقه إياها فربضت النفس ساكنة

[ ص: 313 ] هذا مبتدأ الصوم فمن مبتدأ هذا اليوم إلى آخره في صدره خواطر وعلى ظاهر جوارحه عوارض تحتاج النفس إلى أن تتجرع مرارة تلك الشهوات خاطرة كانت أو عارضة فكلما خطر بباله في صدره بين عيني فؤاده خطرة هاج البال واشتهت النفوس لتلك الشهوة وسكنها القلب فريضت كان لها بكل خاطرة وعارضة تتجرع النفس مرارة الترك جزاء عند الله تعالى فمن يحصي هذه الخطرات والعوارض إلا الله تعالى

ولذلك قال الصوم لي وأنا أجزي به لأن النفس تجرعت مرارة الترك لله تعالى والقلب وفى بما قبل من الله تعالى فالثواب يتجرع المرارة والجزاء للقلب بالوفاء

فطبقة منهم في هذه الخطرات والعوارض في درجة ملاحظة الثواب والعقاب

وطائفة منهم في درجة ملاحظة حب الله تعالى فتلاشت المرارات بحلاوة حبه

وطبقة منهم في درجة ملاحظة مسرات الله تعالى وقرة العين [ ص: 314 ] فيفتقدون المرارات لابتهاج نفوسهم بمسرات الله تعالى

التالي السابق


الخدمات العلمية