الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 7 ] القول في تأويل قوله ( يا أيها الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم ومن قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل من النعم )

قال أبو جعفر : يقول - تعالى ذكره - : يا أيها الذين صدقوا الله ورسوله " لا تقتلوا الصيد " الذي بينت لكم ، وهو صيد البر دون صيد البحر " وأنتم حرم " يقول : وأنتم محرمون بحج أو عمرة .

و " الحرم " جمع " حرام " والذكر والأنثى فيه بلفظ واحد . تقول : " هذا رجل حرام " و " هذه امرأة حرام " . فإذا قيل : " محرم " قيل للمرأة : " محرمة " . و " الإحرام " هو الدخول فيه ، يقال : " أحرم القوم " إذا دخلوا في الشهر الحرام ، أو في الحرم .

فتأويل الكلام : لا تقتلوا الصيد وأنتم محرمون بحج أو عمرة .

وقوله : " ومن قتله منكم متعمدا " فإن هذا إعلام من الله - تعالى ذكره - عباده حكم القاتل من المحرمين الصيد الذي نهاه عن قتله متعمدا .

ثم اختلف أهل التأويل في صفة " العمد " الذي أوجب الله على صاحبه به الكفارة والجزاء في قتله الصيد . [ ص: 8 ]

فقال بعضهم : هو العمد لقتل الصيد ، مع نسيان قاتله إحرامه في حال قتله . وقال : إن قتله وهو ذاكر إحرامه متعمدا قتله ، فلا حكم عليه ، وأمره إلى الله .

قالوا : وهذا أجل أمرا من أن يحكم عليه ، أو يكون له كفارة .

ذكر من قال ذلك :

12544 - حدثنا سفيان بن وكيع قال : حدثنا ابن عيينة ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : " ومن قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل من النعم " من قتله منكم ناسيا لإحرامه ، متعمدا لقتله ، فذلك الذي يحكم عليه . فإن قتله ذاكرا لحرمه ، متعمدا لقتله ، لم يحكم عليه .

12545 - حدثنا ابن وكيع و ابن حميد قالا حدثنا جرير ، عن ليث ، عن مجاهد ، في الذي يقتل الصيد متعمدا وهو يعلم أنه محرم ، ويتعمد قتله ، قال : لا يحكم عليه ، ولا حج له . وقوله : " ومن قتله منكم متعمدا " قال : هو العمد المكفر ، وفيه الكفارة والخطأ ، أن يصيبه وهو ناس لإحرامه ، متعمدا لقتله أو يصيبه وهو يريد غيره . فذلك يحكم عليه مرة .

12546 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : " لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم ومن قتله منكم متعمدا " غير ناس لحرمه ولا مريد غيره ، فقد حل ، وليست له رخصة . ومن قتله ناسيا ، أو أراد غيره فأخطأ به ، فذلك العمد المكفر .

12547 - حدثنا يعقوب قال : حدثنا هشيم ، عن ليث ، عن مجاهد في قوله : " ومن قتله منكم متعمدا " قال : متعمدا لقتله ، ناسيا لإحرامه . [ ص: 9 ]

12548 - حدثني يحيى بن طلحة اليربوعي قال : حدثنا الفضيل بن عياض ، عن ليث ، عن مجاهد قال : العمد هو الخطأ المكفر .

12549 - حدثنا الحسن بن عرفة قال : حدثنا يونس بن محمد قال : حدثنا عبد الواحد بن زياد قال : حدثنا ليث قال : قال مجاهد : قول الله : " ومن قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل من النعم " قال : فالعمد الذي ذكر الله - تعالى ذكره - : أن يصيب الصيد وهو يريد غيره فيصيبه ، فهذا العمد المكفر ، فأما الذي يصيبه غير ناس ولا مريد لغيره ، فهذا لا يحكم عليه . هذا أجل من أن يحكم عليه .

12550 - حدثنا ابن وكيع ، ومحمد بن المثنى قالا حدثنا محمد بن جعفر ، عن شعبة ، عن الهيثم ، عن الحكم ، عن مجاهد : أنه قال في هذه الآية : " ومن قتله منكم متعمدا " قال : يقتله متعمدا لقتله ، ناسيا لإحرامه .

12551 - حدثنا ابن المثنى قال : حدثنا ابن أبي عدي قال : حدثنا شعبة ، عن الهيثم ، عن الحكم ، عن مجاهد مثله .

12552 - حدثنا هناد قال : حدثنا ابن أبي زائدة قال : قال ابن جريج " ومن قتله منكم متعمدا " غير ناس لحرمه ولا مريد غيره ، فقد حل ، وليست له رخصة . ومن قتله ناسيا لحرمه ، أو أراد غيره فأخطأ به ، فذلك العمد المكفر .

12553 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا سهل بن يوسف ، عن عمرو ، عن الحسن : " ومن قتله منكم متعمدا " للصيد ، ناسيا لإحرامه " فمن اعتدى بعد ذلك " متعمدا للصيد يذكر إحرامه .

12554 - حدثنا عمرو بن علي قال : حدثنا محمد بن أبي عدي قال : حدثنا إسماعيل بن مسلم قال : كان الحسن يفتي فيمن قتل الصيد متعمدا ذاكرا [ ص: 10 ] لإحرامه : لم يحكم عليه قال إسماعيل : وقال حماد عن إبراهيم ، مثل ذلك .

12555 - حدثنا عمرو بن علي قال : حدثنا عفان بن مسلم قال : حدثنا حماد بن سلمة قال : أمرني جعفر بن أبي وحشية أن أسأل عمرو بن دينار عن هذه الآية : " ومن قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل من النعم " الآية ، فسألته ، فقال : كان عطاء يقول : هو بالخيار ، أي ذلك شاء فعل ، إن شاء أهدى ، وإن شاء أطعم ، وإن شاء صام . فأخبرت به جعفرا وقلت : ما سمعت فيه؟ فتلكأ ساعة ، ثم جعل يضحك ولا يخبرني ، ثم قال : كان سعيد بن جبير يقول : يحكم عليه من النعم هديا بالغ الكعبة ، وإنما جعل الطعام والصيام كفارة ، فهذا لا يبلغ ثمن الهدي ، والصيام فيه من ثلاثة أيام إلى عشرة .

12556 - حدثنا ابن البرقي قال : حدثنا ابن أبي مريم قال : أخبرنا نافع بن يزيد قال : أخبرني ابن جريج قال : قال مجاهد : " ومن قتله منكم متعمدا " غير ناس لحرمه ، ولا مريد غيره ، فقد حل ، وليست له رخصة . ومن قتله ناسيا ، أو أراد غيره فأخطأ به ، فذلك العمد المكفر .

12557 - حدثنا يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد : أما الذي يتعمد فيه للصيد وهو ناس لحرمه ، أو جاهل أن قتله غير محرم ، فهؤلاء الذين يحكم عليهم . فأما من قتله متعمدا بعد نهي الله ، وهو يعرف أنه محرم ، وأنه حرام ، فذلك يوكل إلى نقمة الله ، وذلك الذي جعل الله عليه النقمة .

12558 - حدثني يعقوب قال : حدثنا هشيم ، عن ليث ، عن مجاهد في قوله : " ومن قتله منكم متعمدا " قال : متعمدا لقتله ، ناسيا لإحرامه . [ ص: 11 ]

وقال آخرون : بل ذلك هو العمد من المحرم لقتل الصيد ، ذاكرا لحرمه .

ذكر من قال ذلك :

12559 - حدثنا هناد قال : حدثنا وكيع وحدثنا ابن وكيع قال : حدثنا أبي عن سفيان ، عن ابن جريج ، عن عطاء قال : يحكم عليه في العمد والخطأ والنسيان .

12560 - حدثنا هناد قال : حدثنا ابن أبي زائدة قال : حدثنا ابن جريج وحدثنا عمرو بن علي قال : حدثنا أبو عاصم عن ، ابن جريج قال : قال طاوس : والله ما قال الله إلا " ومن قتله منكم متعمدا " .

12561 - حدثني يعقوب بن إبراهيم قال : حدثنا هشيم قال : أخبرني بعض أصحابنا ، عن الزهري أنه قال : نزل القرآن بالعمد ، وجرت السنة في الخطأ يعني : في المحرم يصيب الصيد .

12562 - حدثني المثنى قال : حدثنا عبد الله بن صالح قال : حدثني معاوية بن صالح ، عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس قوله : " يا أيها الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم " قال : إن قتله متعمدا أو ناسيا ، حكم عليه . وإن عاد متعمدا عجلت له العقوبة ، إلا أن يعفو الله .

12563 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا أبي ، عن الأعمش ، عن عمرو بن مرة ، عن سعيد بن جبير قال : إنما جعلت الكفارة في العمد ، ولكن غلظ عليهم في الخطأ كي يتقوا .

12564 - حدثنا عمرو بن علي قال : حدثنا أبو معاوية ووكيع قالا حدثنا الأعمش ، عن عمرو بن مرة ، عن سعيد بن جبير ، نحوه .

12565 - حدثنا ابن البرقي قال : حدثنا ابن أبي مريم قال : أخبرنا نافع بن يزيد قال : خبرنا ابن جريج قال : كان طاوس يقول : والله ما قال الله إلا " ومن قتله منكم متعمدا " . [ ص: 12 ]

قال أبو جعفر : والصواب من القول في ذلك عندنا أن يقال : إن الله - تعالى ذكره - حرم قتل صيد البر على كل محرم في حال إحرامه ما دام حراما بقوله : " يا أيها الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد " ثم بين حكم من قتل ما قتل من ذلك في حال إحرامه متعمدا لقتله ، ولم يخصص به المتعمد قتله في حال نسيانه إحرامه ، ولا المخطئ في قتله في حال ذكره إحرامه ، بل عم في التنزيل بإيجاب الجزاء ، كل قاتل صيد في حال إحرامه متعمدا . وغير جائز إحالة ظاهر التنزيل إلى باطن من التأويل لا دلالة عليه من نص كتاب ، ولا خبر لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ولا إجماع من الأمة . ولا دلالة من بعض هذه الوجوه .

فإذ كان ذلك كذلك ، فسواء كان قاتل الصيد من المحرمين عامدا قتله ذاكرا لإحرامه ، أو عامدا قتله ناسيا لإحرامه ، أو قاصدا غيره فقتله ذاكرا لإحرامه في أن على جميعهم من الجزاء ما قال ربنا - تعالى ذكره - ، وهو : مثل ما قتل من النعم يحكم به ذوا عدل من المسلمين ، أو كفارة طعام مساكين ، أو عدل ذلك صياما .

وهذا قول عطاء والزهري الذي ذكرناه عنهما ، دون القول الذي قاله مجاهد .

وأما ما يلزم بالخطأ قاتله ، فقد بينا القول فيه في كتابنا : كتاب لطيف القول في أحكام الشرائع ، بما أغنى عن ذكره في هذا الموضع . وليس هذا الموضع موضع ذكره ، لأن قصدنا في هذا الكتاب الإبانة عن تأويل التنزيل ، وليس في التنزيل للخطأ ذكر ، فنذكر أحكامه . [ ص: 13 ]

وأما قوله : " فجزاء مثل ما قتل من النعم " فإنه يقول : وعليه كفاء وبدل ، يعني بذلك : جزاء الصيد المقتول . يقول - تعالى ذكره - : فعلى قاتل الصيد جزاء الصيد المقتول ، مثل ما قتل من النعم .

وقد ذكر أن ذلك في قراءة عبد الله : ( فجزاؤه مثل ما قتل من النعم ) .

وقد اختلفت القرأة في قراءة ذلك .

فقرأته عامة قرأة المدينة وبعض البصريين : ( فجزاء مثل ما قتل من النعم ) ، بإضافة " الجزاء " إلى " المثل " وخفض " المثل " .

وقرأ ذلك عامة قرأة الكوفيين : ( فجزاء مثل ما قتل ) بتنوين " الجزاء " ورفع " المثل " بتأويل : فعليه جزاء مثل ما قتل .

قال أبو جعفر : وأولى القراءتين في ذلك بالصواب ، قراءة من قرأ : ( فجزاء مثل ما قتل ) بتنوين " الجزاء " ورفع " المثل " لأن الجزاء هو المثل ، فلا وجه لإضافة الشيء إلى نفسه .

وأحسب أن الذين قرأوا ذلك بالإضافة ، رأوا أن الواجب على قاتل الصيد أن يجزي مثله من الصيد بمثل من النعم . وليس ذلك كالذي ذهبوا إليه ، بل الواجب على قاتله أن يجزي المقتول نظيره من النعم . وإذ كان ذلك كذلك ، فالمثل هو الجزاء الذي أوجبه الله - تعالى ذكره - على قاتل الصيد ، ولن يضاف الشيء إلى نفسه . [ ص: 14 ] ولذلك لم يقرأ ذلك قارئ علمناه ، بالتنوين ونصب " المثل " . ولو كان " المثل " غير " الجزاء " لجاز في المثل النصب إذا نون " الجزاء " كما نصب " اليتيم " إذ كان غير " الإطعام " في قوله : أو إطعام في يوم ذي مسغبة يتيما ذا مقربة [ سورة البلد : 14 ، 15 ] وكما نصب " الأموات " " والأحياء " ونون " الكفات " في قوله : ألم نجعل الأرض كفاتا أحياء وأمواتا [ سورة المرسلات : 25 ، 26 ] ، إذ كان " الكفات " غير " الأحياء " " والأموات " . وكذلك الجزاء لو كان غير " المثل " لاتسعت القراءة في " المثل " بالنصب إذا نون " الجزاء " . ولكن ذلك ضاق ، فلم يقرأه أحد بتنوين " الجزاء " ونصب " المثل " إذ كان " المثل " هو " الجزاء " وكان معنى الكلام : ومن قتله منكم متعمدا فعليه جزاء هو مثل ما قتل من النعم .

ثم اختلف أهل العلم في صفة " الجزاء " وكيف يجزي قاتل الصيد من المحرمين ما قتل بمثله من النعم . .

فقال بعضهم : ينظر إلى أشبه الأشياء به شبها من النعم ، فيجزيه به ، ويهديه إلى الكعبة .

ذكر من قال ذلك :

12566 - حدثني محمد بن الحسين قال : حدثنا أحمد بن مفضل قال : حدثنا أسباط ، عن السدي قوله : " ومن قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل من النعم " قال : أما " جزاء مثل ما قتل من النعم " فإن قتل نعامة أو حمارا [ ص: 15 ] فعليه بدنة . وإن قتل بقرة أو أيلا أو أروى فعليه بقرة . أو قتل غزالا أو أرنبا فعليه شاة . وإن قتل ضبا أو حرباء أو يربوعا ، فعليه سخلة قد أكلت العشب وشربت اللبن .

12567 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا هارون بن المغيرة ، عن ابن مجاهد قال : سئل عطاء : أيغرم في صغير الصيد كما يغرم في كبيره؟ قال : أليس يقول الله - تعالى ذكره - : " فجزاء مثل ما قتل من النعم " ؟

12568 - حدثنا هناد قال : حدثنا ابن أبي زائدة قال : أخبرنا ابن جريج قال : قال مجاهد : " ومن قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل من النعم " قال : عليه من النعم مثله .

12569 - حدثنا هناد قال : حدثنا جرير ، عن منصور ، عن الحكم ، عن مقسم ، عن ابن عباس في قوله : " فجزاء مثل ما قتل من النعم " قال : إذا أصاب المحرم الصيد ، وجب عليه جزاؤه من النعم . فإن وجد جزاءه ذبحه فتصدق به ، فإن لم يجد جزاءه قوم الجزاء دراهم ، ثم قوم الدراهم حنطة ، ثم صام مكان كل نصف صاع يوما . قال : وإنما أريد بالطعام الصوم ، فإذا وجد طعاما وجد جزاء .

12570 - حدثنا ابن وكيع و ابن حميد قالا حدثنا جرير ، عن منصور ، عن الحكم ، عن مقسم ، عن ابن عباس : [ ص: 16 ] " فجزاء مثل ما قتل من النعم يحكم به ذوا عدل منكم هديا بالغ الكعبة أو كفارة طعام مساكين أو عدل ذلك صياما " قال : إذا أصاب المحرم الصيد ، حكم عليه جزاؤه من النعم . فإن لم يجد ، نظر كم ثمنه قال ابن حميد : نظر كم قيمته فقوم عليه ثمنه طعاما ، فصام مكان كل نصف صاع يوما " أو كفارة طعام مساكين ، أو عدل ذلك صياما " قال : إنما أريد بالطعام الصيام ، فإذا وجد الطعام وجد جزاءه .

12571 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا يزيد بن هارون ، عن سفيان بن حسين ، عن الحكم ، عن مقسم ، عن ابن عباس : " ومن قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل من النعم " فإن لم يجد هديا ، قوم الهدي عليه طعاما ، وصام عن كل صاع يومين .

12572 - حدثنا هناد قال : حدثنا عبد بن حميد ، عن منصور ، عن الحكم ، عن مقسم ، عن ابن عباس في هذه الآية : " ومن قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل من النعم يحكم به ذوا عدل منكم هديا بالغ الكعبة " قال : إذا أصاب الرجل الصيد حكم عليه ، فإن لم يكن عنده قوم عليه ثمنه طعاما ، ثم صام لكل نصف صاع يوما .

12573 - حدثنا أبو كريب ويعقوب قالا حدثنا هشيم قال : أخبرنا عبد الملك بن عمير ، عن قبيصة بن جابر قال : ابتدرت وصاحب لي ظبيا في العقبة ، فأصبته ، فأتيت عمر بن الخطاب فذكرت ذلك له ، فأقبل علي رجل إلى جنبه ، فنظرا في ذلك قال فقال : اذبح كبشا . [ ص: 17 ]

12574 - حدثني يعقوب قال : حدثنا هشيم قال : أخبرنا حصين ، عن الشعبي قال : أخبرني قبيصة بن جابر ، نحوا مما حدث به عبد الملك .

12575 - حدثنا هناد قال : حدثنا وكيع ، عن المسعودي ، عن عبد الملك بن عمير ، عن قبيصة بن جابر قال : قتل صاحب لي ظبيا وهو محرم ، فأمره عمر أن يذبح شاة فيتصدق بلحمها ويسقي إهابها .

12576 - حدثني هناد قال : حدثنا ابن أبي زائدة ، عن داود بن أبي هند ، عن بكر بن عبد الله المزني قال : قتل رجل من الأعراب وهو محرم ظبيا ، فسأل عمر ، فقال له عمر : أهد شاة .

12577 - حدثنا هناد قال : حدثنا أبو الأحوص ، عن حصين وحدثنا أبو هشام الرفاعي قال : حدثنا ابن فضيل قال : حدثنا حصين عن الشعبي قال : قال قبيصة بن جابر : أصبت ظبيا وأنا محرم ، فأتيت عمر فسألته عن ذلك ، فأرسل إلى عبد الرحمن بن عوف . فقلت : يا أمير المؤمنين ، إن أمره أهون من ذلك! قال : فضربني بالدرة حتى سابقته عدوا! قال : ثم قال : قتلت الصيد وأنت محرم ، ثم تغمص الفتيا! قال : فجاء عبد الرحمن ، فحكما شاة . [ ص: 18 ]

12578 - حدثني المثنى قال : حدثنا عبد الله بن صالح قال : حدثني معاوية بن صالح ، عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : " ومن قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل من النعم " قال : إذا قتل المحرم شيئا من الصيد حكم عليه فيه . فإن قتل ظبيا أو نحوه ، فعليه شاة تذبح بمكة . فإن لم يجد ، فإطعام ستة مساكين . فإن لم يجد ، فصيام ثلاثة أيام . فإن قتل أيلا أو نحوه ، فعليه بقرة . وإن قتل نعامة أو حمار وحش أو نحوه ، فعليه بدنة من الإبل .

12579 - حدثنا محمد بن بشار قال : حدثنا أبو عاصم قال : أخبرنا ابن جريج قال : قلت لعطاء : أرأيت إن قتلت صيدا فإذا هو أعور ، أو أعرج ، أو منقوص ، أغرم مثله؟ قال : نعم ، إن شئت . قلت : أوفي أحب إليك؟ قال : نعم . وقال عطاء : وإن قتلت ولد الظبي ، ففيه ولد شاة . وإن قتلت ولد بقرة وحشية ، ففيه ولد بقرة إنسية مثله ، فكل ذلك على ذلك .

12580 - حدثت عن الحسين بن الفرج قال : سمعت أبا معاذ الفضل بن خالد قال : أخبرنا عبيد بن سليمان الباهلي قال : سمعت الضحاك بن مزاحم يقول : " فجزاء مثل ما قتل من النعم " ما كان من صيد البر مما ليس له قرن الحمار أو النعامة فعليه مثله من الإبل . وما كان ذا قرن من صيد البر من وعل أو أيل ، فجزاؤه من البقر . وما كان من ظبي فمن الغنم مثله . وما كان من أرنب ، ففيها ثنية . وما كان من يربوع وشبهه ، ففيه حمل صغير . وما كان من جرادة أو نحوها ، ففيه قبضة من طعام . وما كان من طير البر ، ففيه أن يقوم ويتصدق بثمنه ، وإن شاء صام لكل نصف صاع يوما . وإن أصاب فرخ طير برية أو بيضها ، فالقيمة فيها طعام أو صوم على الذي يكون في الطير . غير أنه قد ذكر في بيض النعام إذا أصابها المحرم ، أن يحمل الفحل على عدة من أصاب من البيض على [ ص: 19 ] بكارة الإبل ، فما لقح منها أهداه إلى البيت ، وما فسد منها فلا شيء فيه .

12581 - حدثنا ابن البرقي قال : حدثنا ابن أبي مريم قال : أخبرنا نافع قال : أخبرني ابن جريج قال : قال مجاهد : من قتله - يعني الصيد - ناسيا ، أو أراد غيره فأخطأ به ، فذلك العمد المكفر ، فعليه مثله هديا بالغ الكعبة . فإن لم يجد ، ابتاع بثمنه طعاما . فإن لم يجد ، صام عن كل مد يوما . وقال عطاء : فإن أصاب إنسان نعامة ، كان له - إن كان ذا يسار موسعا - إن شاء يهدي جزورا أو عدلها طعاما أو عدلها صياما ، أيتهن شاء ، من أجل قوله : فجزاء ، أو كذا أو كذا قال : فكل شيء في القرآن : " أو " " أو " فليختر منه صاحبه ما شاء .

12582 - حدثنا ابن البرقي قال : حدثنا ابن أبي مريم قال : أخبرنا نافع قال : أخبرني ابن جريج قال : أخبرني الحسن بن مسلم قال : من أصاب من الصيد ما يبلغ أن يكون شاة فصاعدا ، فذلك الذي قال الله - تعالى ذكره - : " فجزاء مثل ما قتل من النعم " . وأما " كفارة طعام مساكين " فذلك الذي لا يبلغ أن يكون فيه هدي ، العصفور يقتل ، فلا يكون فيه . قال : " أو عدل ذلك صياما " عدل النعامة ، أو عدل العصفور ، أو عدل ذلك كله .

وقال آخرون : بل يقوم الصيد المقتول قيمته من الدراهم ، ثم يشتري القاتل بقيمته ندا من النعم ، ثم يهديه إلى الكعبة . [ ص: 20 ]

ذكر من قال ذلك :

12583 - حدثني يعقوب بن إبراهيم قال : حدثنا هشيم قال : أخبرنا عبدة ، عن إبراهيم قال : ما أصاب المحرم من شيء ، حكم فيه قيمته .

12584 - حدثنا محمد بن المثنى قال : حدثنا محمد بن جعفر قال : حدثنا شعبة ، عن حماد قال : سمعت إبراهيم يقول : في كل شيء من الصيد ثمنه .

قال أبو جعفر : وأولى القولين في تأويل الآية ، ما قال عمر وابن عباس ، ومن قال بقولهما : أن المقتول من الصيد يجزى بمثله من النعم ، كما قال الله - تعالى ذكره - : " فجزاء مثل ما قتل من النعم " . وغير جائز أن يكون مثل الذي قتل من الصيد دراهم ، وقد قال الله تعالى : " من النعم " لأن الدراهم ليست من النعم في شيء .

فإن قال قائل : فإن الدراهم وإن لم تكن مثلا للمقتول من الصيد ، فإنه يشترى بها المثل من النعم ، فيهديه القاتل ، فيكون بفعله ذلك كذلك جازيا بما قتل من الصيد مثلا من النعم!

قيل له : أفرأيت إن كان المقتول من الصيد صغيرا أو معيبا ، ولا يصاب بقيمته من النعم إلا كبيرا أو سليما أو كان المقتول من الصيد كبيرا أو سليما بقيمته من النعم إلا صغيرا أو معيبا أيجوز له أن يشتري بقيمته خلافه وخلاف صفته فيهديه ، أم لا يجوز ذلك له ، وهو لا يجوز إلا خلافه؟ فإن زعم أنه لا يجوز له أن يشتري بقيمته إلا مثله ، ترك قوله في ذلك . لأن أهل هذه المقالة يزعمون أنه لا يجوز له أن يشتري بقيمة ذلك فيهديه ، إلا ما [ ص: 21 ] يجوز في الضحايا . وإذا أجاز شراء مثل المقتول من الصيد بقيمته وإهداءها وقد يكون المقتول صغيرا معيبا ، أجاز في الهدي ما لا يجوز في الأضاحي .

وإن زعم أنه لا يجوز أن يشتري بقيمته فيهديه إلا ما يجوز في الضحايا أوضح بذلك من قوله الخلاف لظاهر التنزيل . وذلك أن الله - تعالى ذكره - ، أوجب على قاتل الصيد من المحرمين عمدا ، المثل من النعم إذا وجده . وقد زعم قائل هذه المقالة أنه لا يجب عليه المثل من النعم ، وهو إلى ذلك واجد سبيلا .

ويقال لقائل ذلك : أرأيت إن قال قائل آخر : " ما على قاتل ما لا تبلغ من الصيد قيمته ما يصاب به من النعم ما يجوز في الأضاحي من إطعام ولا صيام . لأن الله تعالى إنما خير قاتل الصيد من المحرمين في أحد الثلاثة الأشياء التي سماها في كتابه ، فإذا لم يكن له إلى واحد من ذلك سبيل ، سقط عنه فرض الآخرين . لأن الخيار إنما كان له ، وله إلى الثلاثة سبيل . فإذا لم يكن له إلى بعض ذلك سبيل ، بطل فرض الجزاء عنه ، لأنه ليس ممن عني بالآية نظير الذي قلت أنت : " إنه إذا لم يكن المقتول من الصيد يبلغ قيمته ما يصاب من النعم مما يجوز في الضحايا ، فقد سقط فرض الجزاء بالمثل من النعم عنه ، وإنما عليه الجزاء بالإطعام أو الصيام " هل بينك وبينه فرق من أصل أو نظير؟ فلن يقول في أحدهما قولا إلا ألزم في الآخر مثله .

التالي السابق


الخدمات العلمية