الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              معلومات الكتاب

                                                                                                                                                                                                                              سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد

                                                                                                                                                                                                                              الصالحي - محمد بن يوسف الصالحي الشامي

                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              الباب الحادي عشر

                                                                                                                                                                                                                              في خوفه ، وخشيته ، وتضرعه صلى الله عليه وسلم

                                                                                                                                                                                                                              وروى الشيخان عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : «قاربوا ، وسددوا ، واعلموا أنه لن ينجو أحد منكم بعمله» .

                                                                                                                                                                                                                              وفي لفظ : «لا يدخل أحد منكم الجنة بعمله ، قالوا : ولا أنت ؟ قال : ولا أنا ، إلا أن يتغمدني الله برحمة منه وفضل» .

                                                                                                                                                                                                                              ورويا أيضا عن جابر رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صنع شيئا فرخص فيه ، فتنزه عنه قوم ، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فخطب ، فحمد الله ، ثم قال : «ما بال أقوام يتنزهون عن الشيء أصنعه ؟ فوالله إني لأعلمهم بالله ، وأشدهم له خشية» .

                                                                                                                                                                                                                              وروى ابن سعد عن أم سلمة رضي الله تعالى عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسل وصيفة له فأبطأت عليه ، فقال : «لولا خوف القصاص لأوجعتك بهذا السواك» .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الإمام مالك عن عائشة رضي الله تعالى عنها أن رجلا قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم وهو واقف على الباب وأنا أسمع : يا رسول الله إني أصبحت جنبا ، وأنا أريد الصوم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «وأنا أصبح جنبا ، وأنا أريد الصوم ، فأغتسل وأصوم» ، فقال له الرجل : يا رسول الله إنك لست مثلنا ، قد غفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر ، فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقال : «والله إني لأرجو أن أكون أخشاكم لله ، وأعلمكم بما أتقي» .

                                                                                                                                                                                                                              وروى مسلم عن عمر بن أبي سلمة أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم : أيقبل الصائم ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «سل هذه لأم سلمة» ، فأخبرته أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنع ذلك ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : «أما أنا والله إني لأتقاكم لله ، وأخشاكم له» .

                                                                                                                                                                                                                              وروى أبو الحسن بن الضحاك عن صفوان بن عوف قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتأوه ويقول : «أوه من عذاب الله أوه من قبل أن لا تنفع أوه» .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الإمام الشافعي رحمه الله تعالى عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال : ما هبت ريح قط إلا جثا النبي صلى الله عليه وسلم على ركبته ، وقال : «اللهم اجعلها رياحا ولا تجعلها ريحا» .

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 57 ] وروى ابن مردويه عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا هبت الريح ، أو سمع صوت الرعد تغير لونه ، حتى عرف ذلك في وجهه .

                                                                                                                                                                                                                              وروى سعيد بن منصور ، والإمام أحمد وعبد بن حميد والشيخان عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت : ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم مستجمعا قط ضاحكا ، حتى ترى لهواته ، إنما كان يتبسم ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رأى غيما تلون وجهه ، وتغير ، ودخل ، وخرج ، وأقبل ، وأدبر ، فإذا أمطرت سري عنه ، قالت : يا رسول الله ، الناس إذا رأوا الغيم فرحوا رجاء أن يكون فيه المطر ، وأراك إذا رأيت غيما عرف في وجهك الكراهة ، فقال : «يا عائشة ، وما يؤمنني أن يكون فيه عذاب ؟ قد عذب الله عز وجل قوما بالريح ، وقد رأى قوم العذاب فقالوا : هذا عارض ممطرنا [الأحقاف : 24] وفي لفظ : «وما يدريك كما قال قوم فلما رأوه عارضا مستقبل أوديتهم قالوا هذا عارض ممطرنا بل هو ما استعجلتم به [الأحقاف : 24] .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الترمذي -وحسنه هو والحافظ المنذري وصححه الحاكم- عن ابن عباس ، وسعيد بن منصور ، وابن عساكر عن أنس ، والترمذي في الشمائل وأبو يعلى -برجال ثقات- عن أبي جحيفة ، وابن عساكر عن عمران بن حصين ، وابن سعد عن محمد بن علي بن الحسين ، والطبراني وابن مردويه -بسند صحيح- قال ابن عباس : إن أبا بكر قال ، وقال أنس : قال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا رسول الله شبت ، قال : «شيبتني هود ، والواقعة ، والمرسلات ، وعم يتساءلون ، وإذا الشمس كورت» .

                                                                                                                                                                                                                              وهذا الحديث له طرق ، وقد أخطأ من ذكره في الموضوعات .

                                                                                                                                                                                                                              وروى البيهقي وابن عساكر عن أبي علي الشبولي -بضم الشين المعجمة والموحدة- أحد رواة الصحيح ، قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام ، فقلت : يا رسول الله ما روي عنك أنك قلت : شيبتني هود ؟ قال : «نعم» قلت : ما الذي شيبك منها ؟ قصص الأنبياء ، وهلاك الأمم ؟ قال : «لا ، ولكن فاستقم كما أمرت [هود : 112] .

                                                                                                                                                                                                                              وروى ابن مردويه ، والطبراني -بسند صحيح- عن عقبة بن عامر أن رجلا قال : يا [ ص: 58 ] رسول الله قد شبت ، قال : «شيبتني هود وأخواتها» .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الإمام أحمد في الزهد عن أبي عمران الجوني قال : بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : «شيبتني هود وأخواتها ، وذكر القيامة ، وقصص الأنبياء والأمم» .

                                                                                                                                                                                                                              وروى ابن أبي حاتم عن الحسن رحمه الله تعالى قال : لما نزلت هذه الآية فاستقم كما أمرت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «شمروا وأثمروا ، فما رئي ضاحكا» .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الشيخان عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : «والذي نفسي بيده! لو تعلمون ما أعلم لبكيتم كثيرا ولضحكتم قليلا» .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الإمام أحمد والطبراني عن ابن عباس ، وسعيد بن منصور ، والإمام أحمد ، والترمذي -وحسنه- عن أبي سعيد ، وأبو نعيم عن جابر رضي الله تعالى عنهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : «كيف أنعم ، وصاحب الصور قد التقم القرن ، وحنى جبهته ، وأصغى بسمعه ، ينتظر متى يؤمر فينفخ ؟ » قالوا : وماذا نقول يا رسول الله ؟ قال : «قولوا : حسبنا الله ونعم الوكيل» .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الحاكم عن أبي ذر رضي الله تعالى عنه قال : قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم : هل أتى [الإنسان : 1] حتى ختمها ، ثم قال : «إني أرى ما لا ترون ، وأسمع ما لا تسمعون ، أطت السماء ، وحق لها أن تئط ، ما فيها موضع أربع أصابع إلا وملك واضع جبهته ساجدا لله ، لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا ، وما تلذذتم بالنساء على الفرش ، ولخرجتم إلى الصعدات تجأرون إلى الله تعالى ، والله أني لوددت أني شجرة تعضد» .

                                                                                                                                                                                                                              قال بعض الحفاظ : قوله : «لوددت أني» إلخ مندرج في الخبر من قول أبي ذر .

                                                                                                                                                                                                                              وروى أبو عبيدة في فضائله ، وأحمد في الزهد ، وابن أبي الدنيا في نعت الخائفين ، [ ص: 59 ] وابن جرير ، وابن أبي داود في الشريعة ، وابن عدي ، وابن نصر ، والبيهقي في الشعب ، عن حمران بن أعين ، عن أبي حرب بن المسور أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سمع رجلا يقرأ ، ولفظ هناد وعبد : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ إن لدينا أنكالا وجحيما وطعاما ذا غصة وعذابا أليما [المزمل : 12 ، 13] فلما بلغ إليها صعق .

                                                                                                                                                                                                                              وروى ابن أبي شيبة برجال ثقات ، والطبراني عن أبي سعيد ، وابن أبي الدنيا عن أنس رضي الله تعالى عنهما ، قال أبو سعيد : إنا يوما عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فرأيناه كئيبا ، فقال بعضنا : يا رسول الله ، بأبي أنت وأمي ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «سمعت هدة ، ولم أسمع مثلها ، فأتاني جبريل فسألته عنها ، فقال : هذه صخرة هدت من شفير جهنم ، من سبعين خريفا ، فهذا حين بلغت قعرها ، أحب أن يسمعك صوتها» ، فما رئي رسول الله صلى الله عليه وسلم ضاحكا ملء فيه حتى قبضه الله تعالى .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الحارث بن أبي أسامة ، عن النواس بن سمعان رضي الله تعالى عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : «يا مقلب القلوب ، ثبت قلبي على دينك» .

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية