الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                        كلا والقمر والليل إذ أدبر والصبح إذا أسفر إنها لإحدى الكبر نذيرا للبشر لمن شاء منكم أن يتقدم أو يتأخر كل نفس بما كسبت رهينة إلا أصحاب اليمين في جنات يتساءلون عن المجرمين ما سلككم في سقر قالوا لم نك من المصلين ولم نك نطعم المسكين وكنا نخوض مع الخائضين وكنا نكذب بيوم الدين حتى أتانا اليقين

                                                                                                                                                                                                                                        كلا هنا بمعنى: حقا، أو بمعنى ( ألا ) الاستفتاحية، فأقسم تعالى بالقمر، وبالليل وقت إدباره، والنهار وقت إسفاره، لاشتمال المذكورات على آيات الله [ ص: 1908 ] العظيمة، الدالة على كمال قدرة الله وحكمته، وسعة سلطانه، وعموم رحمته، وإحاطة علمه، والمقسم عليه قوله: إنها أي النار لإحدى الكبر أي: إن النار لإحدى العظائم الطامة والأمور الهامة، فإذا أعلمناكم بها، وكنتم على بصيرة من أمرها، فمن شاء منكم أن يتقدم، فيعمل بما يقربه من ربه، ويدنيه من رضاه، ويزلفه من دار كرامته، أو يتأخر عما خلق له وعما يحبه الله ويرضاه ، فيعمل بالمعاصي، ويتقرب إلى نار جهنم، كما قال تعالى: وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر الآية.

                                                                                                                                                                                                                                        كل نفس بما كسبت من أفعال الشر وأعمال السوء رهينة بها موثقة بسعيها، قد ألزم عنقها، وغل في رقبتها، واستوجبت به العذاب، إلا أصحاب اليمين فإنهم لم يرتهنوا، بل أطلقوا وفرحوا في جنات يتساءلون عن المجرمين أي: في جنات قد حصل لهم فيها جميع مطلوباتهم، وتمت لهم الراحة والطمأنينة، حتى أقبلوا يتساءلون، فأفضت بهم المحادثة، أن سألوا عن المجرمين، أي حال وصلوا إليها، وهل وجدوا ما وعدهم الله تعالى؟ فقال بعضهم لبعض: "هل أنتم مطلعون عليهم" فاطلعوا عليهم في وسط الجحيم يعذبون، فقالوا لهم: ما سلككم في سقر أي: أي شيء أدخلكم فيها؟ وبأي ذنب استحققتموها؟ فـ قالوا لم نك من المصلين ولم نك نطعم المسكين فلا إخلاص للمعبود، ولا إحسان ولا نفع للخلق المحتاجين.

                                                                                                                                                                                                                                        وكنا نخوض مع الخائضين أي: نخوض بالباطل، ونجادل به الحق، وكنا نكذب بيوم الدين هذا آثار الخوض بالباطل، وهو التكذيب بالحق، ومن أحق الحق، يوم الدين، الذي هو محل الجزاء على الأعمال، وظهور ملك الله وحكمه العدل لسائر الخلق.

                                                                                                                                                                                                                                        فاستمر عملنا على هذا المذهب الباطل حتى أتانا اليقين أي: الموت، فلما ماتوا على الكفر تعذرت حينئذ عليهم الحيل، وانسد في وجوههم باب الأمل.

                                                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية