الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                        فما تنفعهم شفاعة الشافعين فما لهم عن التذكرة معرضين كأنهم حمر مستنفرة فرت من قسورة بل يريد كل امرئ منهم أن يؤتى صحفا منشرة كلا بل لا يخافون الآخرة كلا إنه تذكرة فمن شاء ذكره وما يذكرون إلا أن يشاء الله هو أهل التقوى وأهل المغفرة

                                                                                                                                                                                                                                        فما تنفعهم شفاعة الشافعين لأنهم لا يشفعون إلا لمن ارتضى، وهؤلاء لا يرضى الله أعمالهم .

                                                                                                                                                                                                                                        [ ص: 1909 ] فلما بين الله مآل المخالفين، وبين ما يفعل بهم، عطف على الموجودين بالعتاب واللوم، فقال: فما لهم عن التذكرة معرضين أي: صادين غافلين عنها. كأنهم في نفرتهم الشديدة منها حمر مستنفرة أي: كأنهم حمر وحش نفرت فنفر بعضها بعضا، فزاد عدوها، فرت من قسورة أي: من صائد ورام يريدها، أو من أسد ونحوه، وهذا من أعظم ما يكون من النفور عن الحق، ومع هذا النفور والإعراض ، يدعون الدعاوى الكبار.

                                                                                                                                                                                                                                        فـ يريد كل امرئ منهم أن يؤتى صحفا منشرة نازلة عليه من السماء، يزعم أنه لا ينقاد للحق إلا بذلك، وقد كذبوا، فإنهم لو جاءتهم كل آية لم يؤمنوا حتى يروا العذاب الأليم، لإنهم جاءتهم الآيات البينات التي تبين الحق وتوضحه، فلو كان فيهم خير لآمنوا، ولهذا قال: كلا أي لا نعطيهم ما طلبوا، وهم ما قصدوا بذلك إلا التعجيز، بل لا يخافون الآخرة فلو كانوا يخافونها لما جرى منهم ما جرى.

                                                                                                                                                                                                                                        كلا إنه تذكرة الضمير إما أن يعود على هذه السورة، أو على ما اشتملت عليه من هذه الموعظة، فمن شاء ذكره لأنه قد بين له السبيل، ووضح له الدليل.

                                                                                                                                                                                                                                        وما يذكرون إلا أن يشاء الله فإن مشيئة الله نافذة عامة، لا يخرج عنها حادث قليل ولا كثير، ففيها رد على القدرية، الذين لا يدخلون أفعال العباد تحت مشيئة الله، والجبرية الذين يزعمون أنه ليس للعبد مشيئة، ولا فعل حقيقة، وإنما هو مجبور على أفعاله، فأثبت تعالى للعباد مشيئة حقيقة وفعلا وجعل ذلك تابعا لمشيئته، هو أهل التقوى وأهل المغفرة أي: هو أهل أن يتقى ويعبد، لأنه الإله الذي لا تنبغي العبادة إلا له، وأهل أن يغفر لمن اتقاه واتبع رضاه. تمت، ولله الحمد والمنة.

                                                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية