الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              معلومات الكتاب

                                                                                                                                                                                                                              سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد

                                                                                                                                                                                                                              الصالحي - محمد بن يوسف الصالحي الشامي

                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              الباب الثالث عشر

                                                                                                                                                                                                                              في قصر أمله صلى الله عليه وسلم

                                                                                                                                                                                                                              روى الإمام أحمد ، وابن سعد عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخرج يريد الماء فيتمسح بالتراب ، فأقول : يا رسول الله إن الماء قريب ، فيقول : «وما يدريني لعلي لا أبلغه ؟ » .

                                                                                                                                                                                                                              وروى ابن أبي الدنيا في قصر الأمل ، وبقي بن مخلد عن أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه قال : اشترى أسامة بن زيد وليدة بمائة دينار إلى شهر ، فسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : «ألا تعجبون من أسامة المشتري إلى شهر ؟ إن أسامة لطويل الأمل ، والذي نفسي بيده ما طرفت عيناي إلا ظننت أن شفري لا يلتقيان حتى أقبض ، ولا رفعت طرفي فظننت أني واضعه حتى أقبض ، ولا لقمت لقمة إلا ظننت أني لا أسيغها حتى أغص بها من الموت» ، ثم قال : «يا بني آدم إن كنتم تعقلون فعدوا أنفسكم من الموتى ، والذي نفسي بيده إن ما توعدون لآت وما أنتم بمعجزين [الأنعام : 134] .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الإمام أحمد ، والبخاري ، والنسائي ، وابن سعد والبرقاني ، عن عقبة بن الحارث قال : انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم من صلاة العصر فأسرع ، ولم يدركه أحد ، فعجب الناس من سرعته ، فلما رجع إليهم عرف ما في وجوههم ، فقال : «كان عندي تبر فكرهت أن أبيته عندي ، فأمرت بقسمته» .

                                                                                                                                                                                                                              وروى ابن سعد عن الحسن رضي الله تعالى عنه قال : أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما فعرف في وجهه أنه بات قد أهمه أمر ، فقيل : يا رسول الله إنا لا نستنكر وجهك ، كأنك قد أهمك الليلة أمر ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «ذاك من أوقيتين من ذهب الصدقة باتتا عندي ، لم أكن وجهتهما» .

                                                                                                                                                                                                                              وروى أيضا عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت : أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم ثمانية دراهم بعد أن أمسى ، فلم يزل قائما وقاعدا لا يأتيه النوم ، حتى سمع سائلا يسأل ، فخرج من عندي ، فما عدا أن دخل ، فسمعت غطيطه ، فلما أصبح قلت : يا رسول الله رأيتك أو الليلة قائما وقاعدا [ ص: 67 ] لا يأتيك نوم ، حتى خرجت من عندي ، فما عدا أن دخلت فسمعت غطيطك قال : «أجل ، أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم ثمانية دراهم بعد أن أمسى ، فما ظن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لو لقي الله وهي عنده» .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الإمام أحمد وأبو يعلى ، وقاسم بن ثابت ، برجال الصحيح عن أم سلمة رضي الله تعالى عنها قالت : دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهو ساهم الوجه ، فحسبت ذلك من وجع ، فقلت يا رسول الله : ما لك ساهم الوجه ؟ قال : «من أجل الدنانير السبعة التي أتتنا أمس أمسينا وهي في خصم الفراش ، فأتتنا ولم ننفقها» .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الحميدي -برجال ثقات -عن عائشة رضي الله تعالى عنها : ذهبا كانت أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فتثاقل من الليل وهي أكثر من السبعة ، وأقل من التسعة ، فلم يصبح حتى قسمها ، فقال : «ما ظن محمد بربه لو مات وهذه عنده» .

                                                                                                                                                                                                                              وروى أبو عبيد القاسم بن سلام في غريبه ، والخلعي عن الحسن بن محمد رحمه الله تعالى قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يقيل مالا عنده ولا يبيته ، قال ابن سلام : يعني إن جاءه غدوة لم ينتصف النهار حتى يقسمه ، وإن جاءه عشية لم يبت حتى يقسمه .

                                                                                                                                                                                                                              تنبيه : في بيان غريب ما سبق :

                                                                                                                                                                                                                              الأمل : كجبل : الرجاء .

                                                                                                                                                                                                                              الوليدة : بواو فلام مكسورة ، فمثناة تحتية ، فدال مهملة : واحدة الولائد .

                                                                                                                                                                                                                              أسيغها : بهمزة مضمومة فسين مهملة ، فتحتية ، فغين معجمة : أي : لم يدخل في حلقي سهلا .

                                                                                                                                                                                                                              أغص : بهمزة مضمومة ، فغين معجمة مفتوحة ، فصاد مهملة : أشرق به ، ويقف في حلقي .

                                                                                                                                                                                                                              الغطيط : بغين معجمة ، وروي بخاء معجمة ، وأنكرها ابن بطال : الصوت الذي يخرج مع نفس النائم .

                                                                                                                                                                                                                              ساهم الوجه : بالمهملة : متغير اللون .

                                                                                                                                                                                                                              خصم الفراش -بمعجمة فمهملة- : طرفه . [ ص: 68 ]

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية