الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
والموضع الذي أحال فيه ذكر فيه الحجج التي احتج بها هو وغيره على حدوث الزمان، ولوازم ذلك من حدوث الحركة والجسم، وأبطل ذلك كله، فذكر ما احتج به المعتزلة والأشعرية، وما ذكره هو في «الأربعين» و«نهاية العقول» في مسألة حدوث العالم، وأبطل ذلك كله فركب لهم [ ص: 197 ] سبع حجج: أولها: (الحوادث الماضية تتطرق إليها الزيادة والنقصان، وما كان كذلك فله بداية، فللحوادث الماضية بداية. بيان الأولى بأربعة أوجه. أحدها أن الحوادث الماضية إلى زمن الطوفان أقل من الحوادث إلى زماننا بمقدار ما بين الطوفان وزماننا. الثانية: أن الدورات الماضية إما أن تكون شفعا أو وترا، وكيفما كان فهو ناقص عن العدد الذي فوقه. الثالث: أن عودات القمر لا شك أنها أقل من عودات زحل والمشتري. الرابع: أن الدورات الماضية لو كانت غير متناهية لكانت الأبدان البشرية الماضية غير متناهية، فكانت النفوس البشرية غير متناهية؛ لامتناع التناسخ، فكانت النفوس البشرية الموجودة في زماننا غير متناهية؛ لوجوب بقاء الأنفس البشرية، لكن عدد النفوس الموجودة في زماننا قابل للزيادة [ ص: 198 ] والنقصان، فهو متناه. فالنفوس التي كانت موجودة في زمان الطوفان لا شك أنها أقل عددا من عدد النفوس إلى زماننا، وكل عدد يقبل الزيادة والنقصان فهو متناه، فالنفوس الموجودة البشرية متناهية، ثم يستدل بتناهيها على تناهي الأبدان وتناهي الأبدان على تناهي الحركات والمتحركات، وتناهي كل العالم).

قال: (وأما بيان أن كل عدد يقبل الزيادة والنقصان فهو متناه، فقد زعموا أن العلم بذلك بديهي).

قال: (والحجة الثانية: لو كانت الحوادث الماضية غير متناهية، لتوقف حدوث الحادث اليومي على انقضاء ما لا نهاية له، وما يتوقف على انقضاء ما لا نهاية له استحال وجوده، وكان يلزم أن لا يوجد الحادث اليومي، فلما وجد علمنا أن الحوادث الماضية متناهية).

قلت: وهذه هي التي ذكرها من ذكرها من شيوخ المعتزلة والشيعة، وقد ذكرها أبو المعالي وأمثاله من أئمة الكلام. [ ص: 199 ]

والثالثة: (أن كل واحد واحد من الحوادث: إذا كان له أول، وجب أن يكون للكل أول، كما أن كل واحد واحد من الزنج لما كان أسود، وجب أن يكون الكل سودا).

قلت: وهذه حجة أبي الحسين البصري وأمثاله من المعتزلة.

والرابعة: (أن الحوادث الماضية قد انتهت إلينا، فلو كانت الحوادث الماضية بلا نهاية، لكان ما لا نهاية له متناهيا، وذلك محال).

وهذا من جنس الثاني.

والخامسة: (أن الأزل إما أن يكون قد وجد فيه حادث أو لم يوجد. والأول محال؛ لأن ذلك الحادث يكون مسبوقا بالعدم، والأزل لا يكون مسبوقا بالعدم، وإن لم يوجد شيء من الحوادث في الأزل، فقد أشرنا إلى حالة ما كان شيء من الحوادث هناك موجودا، فإذا كل من الحوادث مسبوق بالعدم.

السادسة: أن الأمور الماضية قد دخلت في الوجود، وما دخل في الوجود فقد حصره الوجود، وما حصره الوجود كان متناهيا، فالحوادث الماضية يجب أن تكون متناهية. [ ص: 200 ]

السابعة: أن كل واحد من الحوادث مسبوق بعدم لا أول له، فإذا فرضنا جسما قديما، وفرضنا حوادث لا أول لها، لزم أن لا يكون ذلك الجسم متقدما، لا على وجود تلك الحوادث ولا على عدمها، ومحال أن يكون الشيء لا يتقدم أمورا، ولا يتقدم ما هو سابق على كل واحد واحد من تلك الأمور، فيصير حكم السابق والمسبوق في السبق والتقدم حكما واحدا).

التالي السابق


الخدمات العلمية