الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              معلومات الكتاب

                                                                                                                                                                                                                              سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد

                                                                                                                                                                                                                              الصالحي - محمد بن يوسف الصالحي الشامي

                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              الباب الثامن عشر

                                                                                                                                                                                                                              في أنه كان لا يدخر شيئا لغد ، وما جاء أنه ادخر قوت سنة لعياله صلى الله عليه وسلم

                                                                                                                                                                                                                              روى البخاري عن أنس رضي الله تعالى عنه قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يدخر شيئا لغد .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الإمام أحمد وأبو يعلى بسند جيد عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال : نظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أحد فقال : «ما يسرني أنه ذهب لآل محمد ، أنفقه في سبيل الله ، أموت يوم أموت وعندي منه ديناران ، إلا دينارين أعدهما للدين إن كان» .

                                                                                                                                                                                                                              وروى ابن أبي شيبة في المصنف عن أنس رضي الله تعالى عنه قال : كنت أخدم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يوما : «ما عندك شيء تطعمنا ؟ » قلت : نعم يا رسول الله ، فضل من الطعام الذي كان أمس ، قال : «ألم أنهك أن تدع طعام يوم لغد ؟ » .

                                                                                                                                                                                                                              وروى أبو سعد الماليني ، والخطيب عنه أيضا قال : أهدي لرسول الله صلى الله عليه وسلم طائران ، وفي لفظ : طيران فقال : «ما هذا ؟ » قال بلال : خبأته لك يا رسول الله ، فقال : «يا بلال لا تخف من ذي العرش إقلالا؛ إن الله تعالى سيأتي برزق كل غد ، ألم أنهك أن تدخر شيئا لغد ؟ » .

                                                                                                                                                                                                                              وروى ابن حبان والبيهقي عن أم سلمة رضي الله تعالى عنها قالت : دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ساهم الوجه قالت : حسبت ذلك من وجع ، قلت : ما لي أراك صلى الله عليه وسلم ساهم الوجه ؟ قال : «من أجل الدنانير السبعة التي أتتنا بالأمس ، ولم نقسمها» .

                                                                                                                                                                                                                              وروى البيهقي ، والبزار ، والطبراني ، وأبو يعلى عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال : دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على بلال فوجد عنده صبرة من تمر ، فقال : «ما هذا يا بلال ؟ » فقال : تمر أدخره ، فقال : «ويحك يا بلال! أوما تخاف أن يكون له بخار في النار ؟ أنفق يا بلال ، ولا تخش من ذي العرش إقلالا» .

                                                                                                                                                                                                                              وروى ابن سعد والبيهقي أن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت لأبي أمامة بن سهل بن [ ص: 88 ] حنيف ، وعروة بن الزبير : لو رأيتما رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرض له ، وكانت عندي ستة دراهم أو سبعة ، قالت : فأمرني نبي الله صلى الله عليه وسلم أن أفرقها ، قالت : فشغلني وجع النبي صلى الله عليه وسلم حتى عافاه الله ، ثم سألني عنها ، فقال : «ما فعلت ، أكنت فرقت الستة الدنانير أو السبعة ؟ » فقلت : لا والله ، لقد كان شغلني وجعك ، قالت : فدعا بها ، فوضعها في كفه ، فقال : «ما ظن نبي الله لو لقي الله وهذه عنده ؟ !» .

                                                                                                                                                                                                                              وتقدمت أحاديث في باب فقراء مكة .

                                                                                                                                                                                                                              وروى البزار عن أبي سعيد ، والبزار ، والطبراني عن سمرة بن جندب ، والطبراني ، والبزار -بسند حسن- والإمام أحمد ، وأبو يعلى -برجال ثقات- والبزار والإمام أحمد -بسند حسن- عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج على أصحابه ذات يوم ، وفي يده قطعة من ذهب ، فقال لعبد الله بن عمر : ما كان قال لربه إذا مات وهذه عنده ؟ فقسمها قبل أن يموت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والتفت إلى أحد ، فقال : «والذي نفسي بيده ما يسرني أن يحول هذا ذهبا وفضة لآل محمد ، أنفقه في سبيل الله ، أبقى بعد صبح ثلاثة وعندي منه شيء ، إلا شيئا أعده لدين» ، وفي لفظ : «أموت يوم أموت أدع منه دينارين ، إلا دينارين أعدهما لدين إن كان» .

                                                                                                                                                                                                                              قال ابن عباس : فمات رسول الله صلى الله عليه وسلم وما ترك دينارا ولا درهما ، ولا عبدا ولا وليدة ، وترك درعه مرهونة عند رجل من اليهود رهنا بثلاثين صاعا من شعير ، كان يأكل منها ويطعم عياله .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الطبراني والبزار عن بلال رضي الله تعالى عنه قال : دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم وعندي شيء من تمر ، فقال : «ما هذا ؟ » فقلت : ادخرنا لشتائنا ، فقال : «أما تخاف أن ترى له بخارا في جهنم ؟ » .

                                                                                                                                                                                                                              وروى البزار والطبراني -بسند حسن- عن عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه قال : دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على بلال ، وعنده صبرة من تمر ، فقال : «ما هذا يا بلال» ، قال : أعددت ذلك لأضيافنا ، قال : «أما تخشى أن يكون له بخار في نار جهنم ؟ أنفق بلال ، ولا تخش من ذي العرش إقلالا» .

                                                                                                                                                                                                                              وروى أبو ذر الهروي في دلائله عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «يا بلال أطعمنا» ، قال : ما عندي إلا صبرة من خبز ، خبأته لك ، قال : «أما إن الله يجعل له بخارا في نار جهنم ، أنفق ولا تخش من ذي العرش إقلالا» .

                                                                                                                                                                                                                              وروى البخاري عن أبي ذر رضي الله تعالى عنه قال : كنت أمشي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في صرة المدينة فاستقبلنا أحدا ، فقال : يا أبا ذر» ، قلت : لبيك يا رسول الله ، قال : «ما يسرني أن [ ص: 89 ] عندي مثل أحد ذهبا ، تمضي علي ثلاثة وعندي منه دينار ، إلا شيئا أرصده لدين ، إلا أن أقول في عباد الله هكذا وهكذا» .

                                                                                                                                                                                                                              وروي عن أبي هريرة نحوه .

                                                                                                                                                                                                                              وروى أبو بكر الحميدي ، عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قال : خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى دخل بعض حيطان الأنصار ، فجعل يلتقط من التمر ، ويأكل ، فقال لي : «يا ابن عمر ما لك لا تأكل ؟ » قلت : يا رسول الله لا أشتهيه ، قال : «لكني أشتهيه ، وهذه صبح رابعة لم أذق طعاما ، ولم أجده ، ولو شئت لدعوت ربي فأعطاني مثل ملك كسرى وقيصر ، فكيف بك يا ابن عمر إذا بقيت في قوم يحبون رزق سنتهم ويضعفون ؟ قال : فوالله ما برحنا ولا زمنا حتى نزلت : وكأين من دابة لا تحمل رزقها الله يرزقها وإياكم وهو السميع العليم [العنكبوت : 60] فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «لم يأمرني بكنز الدنيا ، ولا اتباع الشهوات ، فمن كنز دنياه يريد بها حياة باقية فإن الحياة بيد الله ، ألا وإني لا أكنز دينارا ولا درهما ، ولا أخبئ رزقا لغد» .

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية