الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
11 - باب الهمز المفرد

الهمز المفرد هو: الهمز الذي لم يقترن بهمز مثله، ولما ذكر في البابين السابقين حكم الهمز المقترن بمثله في كلمة وفي كلمتين، ذكر هنا حكم الهمز لم يجتمع مع همز آخر فقال:


1 - إذا سكنت فاء من الفعل همزة فورش يريها حرف مد مبدلا      2 - سوى جملة الإيواء والواو عنه إن
تفتح إثر الضم نحو مؤجلا



يقول: إذا سكنت همزة حال كونها فاء من الفعل فورش يعلم الطالب لمعرفة قراءته هذه الهمزة حرف مد حال كونه مبدلا هذه الهمزة حرف مد من جنس حركة ما قبلها، ومعنى كون الهمزة فاء للفعل: أن الكلمة التي تكون فيها الهمزة لو جعلت فعلا لوقعت الهمزة في موضع فائه، أي أول حروفه الأصول مثال ذلك: كلمة المؤمن، فلو جعلت هذه الكلمة فعلا لقلت: آمن على وزن أفعل، أو يؤمن على وزن يفعل. فتقع الهمزة حينئذ في مكان الفاء من الكلمة. وقد وضع العلماء ضابطا موجزا تعرف به الهمزة الساكنة التي تكون فاء للكلمة، وهو كل همزة ساكنة وقعت بعد همزة الوصل، نحو: [ ص: 99 ] لقاءنا ائت بقرآن ، ثم ائتوا صفا أو بعد الميم نحو (المؤمنون)، (والمؤتفكة)، أو بعد الفاء نحو (فأتوا) ، (فأذنوا)، أو بعد الواو نحو (وأمر)، (وأتوا)، أو بعد ياء المضارعة نحو (يأكل)، (يألمون)، أو نونها نحو (نأكل)، (نؤثرك)، أو تائها نحو (تألمون)، (تأكلون).

فورش يبدل الهمزة الساكنة في هذا وأمثاله حرف مد مجانسا لحركة ما قبل الهمزة وصلا ووقفا، فيبدلها ألفا بعد الفتح وواوا ساكنة بعد الضم، وياء ساكنة بعد الكسر. ثم ذكر الناظم ما استثنى لورش من فاء الفعل فلم يبدله فقال: (سوى جملة الإيواء). يعني سوى كل كلمة مشتقة من لفظ الإيواء، لأن لفظ الإيواء لم يقع في القرآن الكريم، وإنما وقع فيه ما تصرف منه، وهو سبعة ألفاظ: المأوى، ومأواه، ومأواهم، ومأواكم، فأووا، وتؤوي، تؤويه. ثم ذكر أن الواو تبدل عن الهمز الواقع فاء للكلمة أي تكون نائبة عن الهمز الواقع فاء للكلمة إن انفتح هذا الهمز بعد حرف مضموم سواء وقع الهمز في اسم نحو (مؤجلا)، (والمؤلفة)، (مؤذن)، أم في فعل نحو لا يؤاخذكم الله ، والله يؤيد ، لا يؤخر ، لا تؤاخذنا .

فلا يبدل الهمز واوا لورش إلا بشروط ثلاثة: أن يكون مفتوحا، وأن يكون بعد ضم، وأن يكون فاء للكلمة كما تقدم في الأمثلة المذكورة، فإن كان الهمز مضموما: فلا يبدله واوا نحو ولا يئوده ، تؤزهم وإن كان مفتوحا بعد فتح: فلا يبدله نحو تأخر ، تأذن . وإن كان مفتوحا بعد ضم وليس فاء للكلمة: فلا يبدله أيضا، وهو في كلمتين، فؤاد نحو وأصبح فؤاد أم موسى فارغا ، لنثبت به فؤادك ، إن السمع والبصر والفؤاد ، و(سؤال) نحو لقد ظلمك بسؤال نعجتك إلى نعاجه .


3 - ويبدل للسوسي كل مسكن     من الهمز مدا غير مجزوم اهملا
4 - تسوء ونشأ ست وعشر يشأ ومع     يهيئ وننسأها ينبأ تكملا



أبدل الرواة عن السوسي كل همز مسكن سواء كان فاء للكلمة وهو الذي يبدله ورش وتقدمت أمثلته، أم كان عينا للكلمة نحو: (البأس)، (الرأس)، (وبئر)، (وبئس)، وما تصرف من ذلك كله، أم كان لاما للكلمة نحو: فادارأتم ، (جئت)، (شئت)، وما تصرف من ذلك. واستثنى للسوسي من الهمز الساكن خمسة أنواع:

الأول: ما كان سكونه [ ص: 100 ] علامة للجزم.

الثاني: ما كان سكونه علامة للبناء.

الثالث: ما يكون همزه أخف من إبداله.

الرابع: ما إبداله يلبسه بغيره.

الخامس: ما يخرجه الإبدال من لغة إلى أخرى. وقد بين الناظم ذلك كله على هذا الترتيب.

فأما النوع الأول: وهو ما كان سكونه علامة للجزم، فوقع في الفعل المضارع الذي يكون آخره همزة ساكنة في ستة ألفاظ، وقد ذكرها الناظم في البيت الثاني.

أولها: (تسؤ) في ثلاثة مواضع " تسؤهم " في آل عمران والتوبة، تسؤكم بالمائدة.

ثانيها: (نشأ) في ثلاثة مواضع إن نشأ ننزل عليهم بالشعراء، إن نشأ نخسف بهم الأرض في سبإ، و وإن نشأ نغرقهم ، في يس، فقوله: (تسؤ ونشأ ست)، يعني أن (تسؤ) في ثلاثة مواضع، و(نشأ) في مثلها، فاللفظان في ست كلمات.

ثالثها: (يشأ) بالياء في عشرة مواضع: " إن يشأ يذهبكم " بالنساء، والأنعام، وإبراهيم، وفاطر، إن يشأ يسكن الريح بالشورى، إن يشأ يرحمكم أو إن يشأ يعذبكم كلاهما في الإسراء، من يشأ الله يضلله و ومن يشأ يجعله كلاهما بالأنعام، فإن يشأ الله يختم بالشورى. ولا يخفى أن من يشأ الله ، فإن يشأ الله لا يظهر السكون فيهما إلا عند الوقف.

رابعها: ويهيئ لكم بالكهف.

خامسها: أو ننسها في البقرة.

سادسها: أم لم ينبأ في النجم. ولم يستثن الناظم وإن أسأتم في الإسراء، لأن سكون الهمز ليس للجزم، لأنه فعل ماض، بل السكون لاتصال الفعل بضمير الفاعل، فيبدل للسوسي، وكذلك يبدل إلا نبأتكما بتأويله بيوسف.


5 - وهيئ وأنبئهم ونبئ بأربع     وأرجئ معا واقرأ ثلاثا فحصلا



هذا هو النوع الثاني، وهو ما كان سكونه للبناء، وقد وقع ذلك في فعل الأمر في إحدى عشرة كلمة: وهيئ لنا بالكهف، أنبئهم في البقرة، نبئنا بيوسف، نبئ عبادي بالحجر، " ونبئهم " بالحجر والقمر، " أرجه " بالأعراف والشعراء، اقرأ بالإسراء، وموضعين بالعلق. فجميع ما كان سكونه للجزم أو للبناء مستثنى من الإبدال للسوسي، فيقرؤه بتحقيق الهمز كغيره من القراء.


6 - وتؤوي وتؤويه أخف بهمزه     ورئيا بترك الهمز يشبه الامتلا



[ ص: 101 ] اشتمل هذا البيت على النوعين الثالث والرابع اللذين استثنيا من الإبدال، فالنوع الثالث: في كلمة وتؤوي إليك من تشاء بالأحزاب، وكلمة وفصيلته التي تؤويه بالمعارج، وبين الناظم علة استثناء هاتين الكلمتين بأن النطق بهما مهموزتين أخف من النطق بهما مبدلة همزتهما، لأنه في حال الإبدال تجتمع واوان: الأولى ساكنة، والثانية متحركة مع الإظهار، والقاعدة إدغام الأولى في الثانية.

النوع الرابع: في كلمة أثاثا ورئيا بمريم، وذكر الناظم علة استثنائها من الإبدال بأن إبدالها يؤدي إلى التباس المعنى واشتباهه، لأنه لو أبدلت الهمزة ياء لوجب إدغامها في الياء التي بعدها، وحينئذ يشتبه بلفظ الري الذي يدل على الامتلاء بالماء لأنه يقال: روي بالماء ريا إذا امتلأ منه، وليس ذلك مرادا هنا، بل المراد أنه من الرواء المأخوذ من الرؤية، وهو ما رأته العين من حالة حسنة ومنظر بهيج، فقراءة هذا اللفظ بالهمز تدل على معناه نصا، وقراءته بالإبدال تدل عليه احتمالا، فقرئ بالهمز ليكون نصا في الدلالة على المراد منه.


7 - ومؤصدة أوصدت يشبه كله     تخيره أهل الأداء معللا



تضمن هذا البيت النوع الخامس المستثنى من الإبدال، وهو كلمة " مؤصدة " في سورتي البلد والهمزة. وقد اختلف علماء العربية في اشتقاق هذه الكلمة، فذهبت طائفة ومنهم أبو عمرو البصري إلى أن هذه الكلمة مشتقة من آصدت. والأصل أأصدت مهموز الفاء، فأبدلت الهمزة حرف مد من جنس حركة ما قبلها، فأصل فاء الكلمة همزة، ومعناها أطبقت. وذهب آخرون إلى أنها من أوصدت، وليس لها أصل في الهمز فاختار السوسي همز كلمة " مؤصدة " لأنها عند شيخه أبي عمرو من آصدت مهموز الفاء، فلو أبدلت همزتها لظن أنها من لغة أوصدت معتل اللام كما يقرأ غيره، وليست هذه لغة شيخه، فالمقصود من همز هذه الكلمة النص على أن السوسي يقرأ بلغة شيخه البصري لا باللغة الأخرى، ولهذا قال الناظم (أوصدت يشبه) يعني أن " مؤصدة " بالإبدال يشبه لغة (أوصدت). فالقراءة بالإبدال تؤدي إلى الخروج من لغة إلى لغة أخرى، فاختير الهمز ليكون نصا في الدلالة على لغة (آصدت) التي هي لغة أبي عمرو البصري. ثم قال الناظم: (كله تخيره أهل الأداء معللا) يعني: كل ما ذكر من المستثنى تخير استثناءه [ ص: 102 ] علماء القراءة والإقراء كابن مجاهد وغيره، اختاروا تحقيق الهمز في ذلك كله معللين بالعلل المذكورة، أو (معللا) المستثنى بالعلل المذكورة.


8 - وبارئكم بالهمز حال سكونه     وقال ابن غلبون بياء تبدلا



يقرأ السوسي، بارئكم في الموضعين بسورة البقرة بسكون الهمز ولكنه لم يبدله، فهو من جملة المستثنى من إبدال الهمز. وقول الناظم (حال سكونه) تنبيه على أن السوسي يقرؤه بالسكون، فكأنه قال: واستثنى له بارئكم حال كونه ساكنا في قراءته. ثم أخبر أن أبا الحسن طاهرا ابن غلبون روى الإبدال عن السوسي ياء في هذه الكلمة، ولكن المحققين من علماء القراءات لم يعولوا على هذه الرواية، ولم يلتفتوا إليها، فحققوا الهمز للسوسي في هذه الكلمة.


9 - ووالاه في بئر وفي بئس ورشهم     وفي الذئب ورش والكسائي فأبدلا
10 - وفي لؤلؤ في العرف والنكر شعبة     ويألتكم الدوري والابدال يجتلا



تابع ورش السوسي في إبدال الهمزة التي هي عين الكلمة في هذه الألفاظ (بئر)، وهو في سورة الحج، وبئر معطلة (بئس)، حيث جاء. وكيف أتى سواء اقترن بالواو نحو وبئس القرار أو الفاء نحو فبئس المصير أو اللام نحو لبئس ما كانوا يصنعون أو الفاء واللام نحو فلبئس مثوى المتكبرين أو تجرد من الواو والفاء واللام نحو بئسما خلفتموني ، بئس للظالمين بدلا ، (الذئب) وهو في ثلاثة مواضع في سورة يوسف: وأخاف أن يأكله الذئب ، لئن أكله الذئب ، فأكله الذئب

وتابع الكسائي السوسي في إبدال همز الذئب في مواضعه الثلاثة، وتابع شعبة الراوي عن عاصم تابع السوسي في إبدال الهمزة في لفظ (لؤلؤ)، والمراد الهمزة الأولى سواء كان هذا اللفظ نكرة نحو كأنهم لؤلؤ مكنون ، حسبتهم لؤلؤا منثورا أم كان معرفة نحو يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان . ثم ذكر أن أبا عمرو يقرأ بزيادة همزة ساكنة بعد الياء في كلمة يلتكم في قوله تعالى في سورة الحجرات وإن تطيعوا الله ورسوله لا يلتكم من أعمالكم شيئا ، واختلف راوياه في هذه الهمزة الزائدة فحققها الدوري، وأبدلها السوسي [ ص: 103 ] ألفا، فتكون قراءة الباقين بحذف هذه الهمزة.


11 - وورش لئلا والنسيء بيائه     وأدغم في ياء النسئ فثقلا



أبدل ورش همز (لئلا) ياء مفتوحة حيث وقعت هذه الكلمة، وهي في ثلاثة مواضع في القرآن الكريم في البقرة لئلا يكون للناس عليكم حجة وفي النساء لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل وفي الحديد لئلا يعلم أهل الكتاب ، وأبدل ورش أيضا الهمزة ياء في إنما النسيء زيادة في الكفر في سورة التوبة. ثم أدغم الياء الأولى في الثانية فيصير النطق بياء مشددة مرفوعة، والذي دلنا على أن ورشا يقرأ بإبدال الهمز في هاتين الكلمتين أن قوله: (وورش لئلا) معطوف على (والابدال يجتلى)، فكأنه قال: أبدل السوسي همز (يألتكم)، وأبدل ورش همز (لئلا) وهمز (النسيء).


12 - وإبدال أخرى الهمزتين لكلهم     إذا سكنت عزم كآدم أوهلا



تضمن البيت قاعدة كلية لجميع القراء، وكان الأنسب ذكرها في باب الهمزتين من كلمة كصنيع ابن الجزري في الطيبة، ومعنى هذه القاعدة: إذا التقت همزتان في كلمة وكانت أخرى الهمزتين، أي الثانية منهما ساكنة، فإبدالها واجب لجميع القراء، فتبدل حرف مد من جنس حركة ما قبلها، فإن كان ما قبلها مفتوحا أبدلت ألفا نحو (آدم)، (وآتى)، (آمن)، (وآخر)، وإن كان ما قبلها مضموما أبدلت واوا نحو (أوتي)، (أوذي).

وإن كان ما قبلها مكسورا أبدلت ياء نحو (إيمانا)، لإيلاف قريش ، ائت بقرآن ، عند الابتداء بكلمة (ايت). وقد أتى الناظم بمثالين: الأول: لما قبلها مفتوح، وهو آدم، وأصله أأدم على زنة أفعل. والثاني: لما قبلها مضموم وهو (أوهلا)، وهذا اللفظ ليس من القرآن، ولعل قريحة الناظم لم تؤاته بمثال من القرآن الكريم، فأتى بمثال من كلام العرب، وهو (أوهلا)، يقال: أوهل فلان لهذا المنصب إذا جعل أهلا له، ومثاله من القرآن أوذينا و " أوتينا " ، اؤتمن أمانته عند الابتداء بكلمة اؤتمن .

التالي السابق


الخدمات العلمية