الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            كتاب السلم [ ص: 268 ] عن ابن عباس قال : قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة وهم يسلفون في الثمار السنة والسنتين ، فقال : { من أسلف فليسلف في كيل معلوم ووزن معلوم إلى أجل معلوم } رواه الجماعة وهو حجة في السلم في منقطع الجنس حالة العقد )

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            قوله : ( كتاب السلم ) هو بفتح السين المهملة واللام كالسلف وزنا ومعنى . وحكي في الفتح عن الماوردي أن السلف لغة أهل العراق ، والسلم لغة أهل الحجاز وقيل : السلف تقديم رأس المال ، والسلم تسليمه في المجلس ، فالسلف أعم قال في الفتح : والسلم شرعا : بيع موصوف في الذمة ، وزيد في الحد ببدل يعطى عاجلا ، وفيه نظر لأنه ليس داخلا في حقيقته قال : واتفق العلماء على مشروعيته إلا ما حكي عن ابن المسيب ، واختلفوا في بعض شروطه ، واتفقوا على أنه يشترط له ما يشترط للبيع ، وعلى تسليم رأس المال في المجلس واختلفوا هل هو عقد غرر جوز للحاجة أم لا ؟ ا هـ

                                                                                                                                            قوله : ( يسلفون ) بضم أوله قوله : ( السنة والسنتين ) في رواية للبخاري " عامين أو ثلاثة " والسنة بالنصب على الظرفية أو على المصدر ، وكذلك لفظ سنتين وعامين قوله : ( في كيل معلوم ) احترز بالكيل عن السلم في الأعيان ، وبقوله : " معلوم " عن المجهول من المكيل والموزون ، { وقد كانوا في المدينة حين قدم النبي صلى الله عليه وسلم يسلمون في ثمار نخيل بأعيانها ، فنهاهم عن ذلك } لما فيه من الغرر ، إذ قد تصاب تلك النخيل بعاهة فلا تثمر شيئا قال الحافظ : واشتراط تعيين الكيل فيما يسلم فيه من المكيل متفق عليه من أجل اختلاف المكاييل إلا أن لا يكون في البلد سوى كيل واحد فإنه ينصرف إليه عند الإطلاق

                                                                                                                                            قوله : ( إلى أجل معلوم ) فيه دليل على اعتبار الأجل في السلم ، وإليه ذهب الجمهور ، وقالوا : لا يجوز السلم حالا ، وقالت الشافعية : يجوز ، قالوا : ; لأنه إذا جاز مؤجلا مع الغرر فجوازه حالا أولى ، وليس ذكر الأجل في الحديث لأجل الاشتراط بل معناه إن كان لأجل فليكن معلوما وتعقب بالكتابة فإن التأجيل شرط فيها وأجيب بالفرق ; لأن الأجل في الكتابة [ ص: 269 ] شرع لعدم قدرة العبد غالبا ، واستدل الجمهور على اعتبار التأجيل بما أخرجه الشافعي والحاكم وصححه عن ابن عباس أنه قال : أشهد أن السلف المضمون إلى أجل قد أحله الله في كتابه وأذن فيه ، ثم قرأ : { يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه } ويجاب بأن هذا يدل على جواز السلم إلى أجل ، ولا يدل على أنه لا يجوز إلا مؤجلا وبما أخرجه ابن أبي شيبة عن ابن عباس أنه قال : " لا تسلف إلى العطاء ولا إلى الحصاد واضرب أجلا " ويجاب بأن هذا ليس بحجة ; لأنه موقوف عليه

                                                                                                                                            وكذلك يجاب عن قول أبي سعيد الذي علقه البخاري ووصله عبد الرزاق بلفظ : السلم بما يقوم به السعر ربا ، ولكن السلف في كيل معلوم إلى أجل " وقد اختلف الجمهور في مقدار الأجل ، فقال أبو حنيفة : لا فرق بين الأجل القريب والبعيد وقال أصحاب مالك : لا بد من أجل تتغير فيه الأسواق ، وأقله عندهم ثلاثة أيام ، وكذا عند الهادوية وعند ابن قاسم خمسة عشر يوما وأجاز مالك السلم إلى العطاء والحصاد ومقدم الحاج ، ووافقه أبو ثور ، واختار ابن خزيمة تأقيته إلى الميسرة واحتج بحديث عائشة { أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث إلى يهودي : ابعث إلي بثوبين إلى الميسرة } وأخرجه النسائي ، وطعن ابن المنذر في صحته ، وليس في ذلك دليل على المطلوب ; لأن التنصيص على نوع من أنواع الأجل لا ينفي غيره

                                                                                                                                            وقال المنصور بالله : أقله أربعون يوما ، وقال الناصر : أقله ساعة والحق ما ذهبت إليه الشافعية من عدم اعتبار الأجل لعدم ورود دليل يدل عليه فلا يلزم التعبد بحكم بدون دليل ، وأما ما يقال من أنه يلزم مع عدم الأجل أن يكون بيعا للمعدوم ، ولم يرخص فيه إلا في السلم ، ولا فارق بينه وبين البيع إلا الأجل فيجاب عنه بأن الصيغة فارقة وذلك كاف ( واعلم ) أن للسلم شروطا غير ما اشتمل عليه الحديث مبسوطة في كتب الفقه ، ولا حاجة لنا في التعرض لما لا دليل عليه إلا أنه وقع الإجماع على اشتراط معرفة صفة الشيء المسلم فيه على وجه يتميز بتلك المعرفة عن غيره




                                                                                                                                            الخدمات العلمية