الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
فيقال له: جواب هذا من وجوه. [ ص: 287 ]

أحدها: أن يقال: خروج ما بالقوة إلى الفعل: إما أن يفتقر إلى علة من خارج وإما أن لا يفتقر. فإن لم يفتقر بطل هذا الكلام. وإن افتقر، فإما أن يفتقر إلى علة خارجة فاعلة، أو علة غائية، أو كلاهما. والافتقار إلى علة غائية وحدها غير كاف؛ لأن ما بالقوة إذا لم يخرج إلى الفعل إلا بعلة من خارج، فلا بد أن يكون علة لوجود كونه فاعلا، وإلا مجرد المحبوب بدون ما به يفعل المحب مطلوبه، لا يوجب وجود الفعل.

ولهذا إذا كان المحب غير قادر على الفعل. لم يتحرك إلى المحبوب، وتحركه إلى المحبوب هو ممكن ليس بممتنع ولا واجب بنفسه، والممكن لا يترجح أحد طرفيه إلا بمرجح تام يستلزم وجود الممكن، فلا بد لفاعلية الممكن من مرجح تام الفاعلية، وذلك هو الفعل؛ إذ مجرد الغاية ليس مرجحا تاما.

وإن افتقر خروج ما بالقوة إلى الفعل إلى علة من خارج، علة فاعلة أو علة فاعلة وغائية.

قيل له: فحركة الجوهر الجسماني حينئذ يفتقر إلى فاعل خارج عنها. وحينئذ فذاك الفاعل لم يكن فاعلا لتلك الفاعلية في الأزل؛ إذ لو كان كذلك لزم وجود جميع الحركات والحوادث في الأزل؛ لوجود فاعلها التام، فتعين أنه صار فاعلا لتلك الحوادث بعد أن لم يكن فاعلا.

فيلزم حينئذ إذا جعل الممكن مفتقرا إلى علة خارجة، أن تكون العلة صارت علة لفاعليته بعد أن لم تكن علة. وهذا قد يستدل به على العلية مطلقا، سواء جعلت فاعلية أو غائية.

فإنه يقال: كل ما حدث من الحوادث فإنه يمتنع وجود علته التامة في [ ص: 288 ] الأزل، فإذن قد حدثت عليته -علية الفاعل والغاية- بعد أن لم تكن، فيجب أن يكون الأول قد صار علة فاعلية وغائية بعد أن لم يكن لكل ما يحدث على قولكم، وهذا يبطل ما ذكرتموه فيه.

ثم يقال: إذا كان هذا جائزا فيه، جاز أن يكون حدوث الأفلاك لحدوث علية حدوثها، وأن تكون قبلها حوادث قائمة به أو منفصلة عنه متعاقبة، ليس فيها ما هو قديم بعينه.

التالي السابق


الخدمات العلمية