الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 625 ] ثم دخلت سنة عشرين وأربعمائة

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      فيها سقط بناحية المشرق مطر شديد معه برد كبار . قال ابن الجوزي : حزرت البردة الواحدة منه بمائة وخمسين رطلا ، وغاصت في الأرض نحوا من ذراع .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ورد كتاب من يمين الدولة محمود بن سبكتكين أنه أحل بطائفة من أهل الري من الباطنية والروافض قتلا ذريعا ، وصلبا شنيعا ، وأنه انتهب أموال رئيسهم رستم بن علي الديلمي ، فحصل ما يقارب ألف ألف دينار ، وقد كان في حبالته نحو من خمسين امرأة حرة ، وقد ولدن له ثلاثا وثلاثين ولدا من ذكر وأنثى ، وكانوا يرون إباحة ذلك .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفي رجب منها انقضت كواكب كثيرة شديدة الصوت قوية الضوء .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفي شعبان كثرت العملات ، وضعفت رجال المعونة عن مقاومة العيارين .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفي يوم الاثنين ثامن عشر منه غار ماء دجلة حتى لم يبق منه إلا القليل ، ووقفت الأرحاء ، وتعذر الطحن .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 626 ] وفي هذا اليوم جمع القضاة والعلماء في دار الخلافة ، وقرئ عليهم كتاب جمعه أمير المؤمنين القادر بالله فيه مواعظ وتفاصيل مذاهب أهل السنة ، والرد على أهل البدع من المعتزلة وغيرهم .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفي العشرين من رمضان جمعوا أيضا ، وقرئ عليهم كتاب آخر جمعه الخليفة أيضا فيه أخبار ومواعظ ، والرد على أهل البدع ، وتفسيق من قال بخلق القرآن ، وصفة ما وقع بين بشر المريسي وعبد العزيز بن أحمد الكتاني من المناظرة ، ثم ختم القول بالوعظ والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وأخذ خطوط الحاضرين بالموافقة لما سمعوه .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفي يوم الاثنين غرة ذي القعدة جمعوا أيضا كلهم ، وقرئ عليهم كتاب آخر طويل يتضمن بيان السنة ، والرد على أهل البدع ، ومناظرة بشر المريسي والكتاني ، والأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر ، وفضل الصحابة ، وذكر فضائل أبي بكر وعمر ، رضي الله عنهما ، ولم يفرغوا منه إلا بعد العتمة ، وأخذت خطوطهم بموافقة ما سمعوه ، وعزل خطباء الشيعة ، وولي خطباء غيرهم من أهل السنة .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وجرت فتنة عظيمة بمسجد براثا ، وضربوا الخطيب السني بالآجر حتى كسروا أنفه وخلعوا كتفه ، فانتصر له الخليفة وأهان الشيعة وأذلهم ، حتى جاءوا يعتذرون مما صنعوا ، وأنه ما تعاطاه إلا سفهاؤهم وسقطهم .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ولم يتمكن أحد من أهل العراق وخراسان في هذه السنة من الحج ، والله تعالى أعلم .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية