الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                          صفحة جزء
                          [ ص: 833 ] 164 - فصل في ذكر أحاديث هذا الباب وعللها .

                          قال الإمام أحمد : ثنا سفيان ، عن يعقوب بن عطاء ، عن عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " لا يتوارث أهل ملتين شتى " : يعقوب هذا ليس بالقوي .

                          وقال الترمذي : حدثنا حميد بن مسعدة ، ثنا حصين بن نمير ، عن ابن أبي ليلى ، عن أبي الزبير ، عن جابر - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " لا يتوارث أهل ملتين " .

                          قال الترمذي : لا يعرف إلا من حديث ابن أبي ليلى ، وفيه ضعف .

                          وقال الدارقطني : حدثنا أحمد بن محمد ، ثنا علي بن حرب ، ثنا [ ص: 834 ] الحسن بن محمد ، ثنا عمر بن راشد ، عن يحيى بن أبي كثير ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " لا يرث أهل ملة ملة " .

                          وحدثنا أبو بكر النيسابوري ، ثنا بحر بن نصر ، ثنا ابن وهب ، أخبرني يونس ، قال أخبرني ابن شهاب ، عن علي بن الحسين ، عن عمرو بن عثمان ، عن أسامة بن زيد - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " لا يرث الكافر المسلم ، ولا يرث المسلم الكافر " .

                          وذكر القاضي في " التعليق " حديثين لا أعرف حالهما .

                          أحدهما : عن أبي هريرة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " لا يرث أهل ملة ملة ، ولا تجوز شهادة ملة على ملة إلا أمتي ، تجوز شهادتهم على من سواهم " ، قال : رواه أبو بكر في " أدب القضاء " بإسناده .

                          [ ص: 835 ] الثاني : قال : وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " لا يرث الكافر المسلم ، ولا المسلم الكافر ، ولا يتوارث أهل ملتين " . وهذا السياق إن صح فهو ظاهر جدا ، وصريح في المسألة ، وأظنه جمع الحديثين في سياق واحد ، والله أعلم .

                          قال الذين جعلوا الكفر ملة واحدة : قال الله عز وجل : ( ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم ) ، وقال تعالى : ( قل يا أيها الكافرون لا أعبد ما تعبدون ولا أنتم عابدون ما أعبد ولا أنا عابد ما عبدتم ولا أنتم عابدون ما أعبد لكم دينكم ولي دين ) ، فجعل لهم دينا واحدا كما جعل لليهود ، والنصارى ملة واحدة .

                          وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " الناس حيز ، وأنا وأصحابي حيز " ، والله تعالى قسم خلقه إلى كفار ومؤمنين ، فهؤلاء سعداء وهؤلاء أشقياء ، والكفر وإن اختلفت شعبه فيجمعه خصلتان :

                          [ ص: 836 ]

                          [ الأولى : ] تكذيب الرسول في خبره .

                          و

                          [ الثانية : ] عدم الانقياد لأمره .

                          كما أن الإيمان يرجع إلى أصلين :

                          [ الأولى : ] طاعة الرسول فيما أمر .

                          و

                          [ الثانية : ] تصديقه بما أخبر .

                          قال الآخرون : اشتراكهم في الكفر العام لا يوجب تساويهم في ملله ، فإنهم كلهم يشتركون في الجحيم على اختلاف مراتبهم في الكفر . وقوله تعالى : ( حتى تتبع ملتهم ) ، لا يدل على أن ملة اليهود هي ملة النصارى ، بل إضافة الملة إلى جميعهم لا يقتضي اشتراكهم في عين الملة ، وكذلك قوله : ( لكم دينكم ولي دين ) ، لا يقتضي اشتراكهم في دين واحد بحيث يدين هؤلاء بعين ما يدين به هؤلاء ، بل المعنى : لكل منكم دينه وملته ، والله سبحانه يذكر الحق والهدى والإسلام ، ويجعله واحدا ، ويذكر الباطل والضلال والكفر ويجعله متعددا ، قال تعالى : [ ص: 837 ] ( وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ) ، وقال تعالى : ( الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور والذين كفروا أولياؤهم الطاغوت يخرجونهم من النور إلى الظلمات ) ، وقال تعالى : ( وإن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاتقون فتقطعوا أمرهم بينهم زبرا كل حزب بما لديهم فرحون ) ، وقال عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - : خط رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خطا ، وقال : هذا سبيل الله ، ثم خط خطوطا عن يمينه وعن شماله ، وقال : هذه سبل ، على كل سبيل شيطان يدعو إليه ، ثم قرأ قوله : ( وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون ) .

                          التالي السابق


                          الخدمات العلمية