الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قال الرازي في شرحه: أقول هذا سؤال جيد، وتقديره: أنك إذا قلت: الله يعلم جميع الماهيات، والعلم عبارة عن حصول صورة المعلوم عند العالم، فقد حصل في ذاته صور المعلومات بأسرها، ثم زعمت أن العالم لا يتحد بالعلم، فلزم أن تكون ذات [ ص: 37 ] الله محلا لتلك الصورة الكثيرة، الغير المتناهية.

قال: وحاصل جوابه أنه التزم ذلك، وبين أنه لا يلزم منه محذور؛ لأن الدلالة إنما دلت على تنزيه ذات الله عن الكثرة.

فأما أنه لا يكون في لوازمه كثرة، فذلك مما لم يثبت بالدلالة أصلا.

وقد بينا أن علمه بالأشياء من لوازم علمه بذاته، فتكون الكثرة الحاصلة بسبب علمه بالأشياء كثرة في لوازم ذاته، وكثرة اللوازم لا توجب الكثرة في الملزوم، فإن الوحدة التي هي أبعد الأشياء عن طبائع الكثرة، يلزمها لوازم غير متناهية، من كونها نصفا للاثنين، وثلثا للثلاثة، وربعا للأربعة، وهلم جرا، إلى ما لا نهاية له.

ثم قال بعد ذلك: فالأول تعرض له كثرة لوازم إضافية وغير إضافية وكثرة سلوب، وبسبب ذلك كثرة أسماء، لكن لا تأثير لذلك في وحدانية ذاته.

قال الرازي: وأقول: إن هذا الكلام يدل على رجوع الشيخ عن مذهب الفلاسفة في مسألتين من أمهات المسائل: إحداهما: أن المشهور من قولهم إن البسيط لا يكون قابلا وفاعلا. وهنا اعترف [ ص: 38 ] بأن المؤثر في تلك الصور العقلية ذاته، والقابل لها أيضا ذاته. فالبسيط هناك فاعل وقابل.

وثانيتهما: أن المشهور من مذهبهم أنه ليس لله من الصفات إلا السلوب والإضافات. وهاهنا اعترف أن لله كثرة لوازم إضافية وغير إضافية، وكثرة سلوب، فأثبت لله صفات ثبوتية غير إضافية، وكيف يمكنه أن لا يعرف بذلك؟ وعنده أن الله عالم بالماهيات، والعلم بالأشياء عنده عبارة عن حصول صورة في العالم، وتلك الصورة ليست مجرد إضافات؛ لأن مذهبه أن الصورة الحاصلة عند العقل مساوية لماهية المعقول، والمساوي للجواهر والكميات والكيفيات في تمام ماهيتها كيف يكون مجرد إضافات؟

فظهر أن الفلاسفة لا يمكنهم ادعاء تنزه الله عن الصفات الحقيقية.

التالي السابق


الخدمات العلمية