الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 202 ]

342

ثم دخلت سنة اثنتين وأربعين وثلاثمائة

ذكر هرب ديسم عن أذربيجان

في هذه السنة هرب ديسم بن إبراهيم أبو سالم عن أذربيجان ، وكنا قد ذكرنا استيلاءه عليها .

وأما سبب هربه عنها فإنه كان ركن الدولة بن بويه قد قبض على بعض قواده ، واسمه علي بن ميسكي ، فأفلت من الحبس وقصد الجبل ، وجمع جمعا وسار إلى وهسوذان أخي المرزبان ، فاتفق معه وتساعدا على ديسم .

ثم إن المرزبان استولى على قلعة سميرم على ما نذكره ، ووصلت كتبه إلى أخيه وعلي بن ميسكي بخلاصه ، وكاتب الديلم واستمالهم ، ولم يعلم ديسم بخلاصه ، إنما كان يظن أن وهسوذان وعلي بن ميسكي يقاتلانه .

وكان له وزير يعرف بأبي عبد الله النعيمي ، فشره إلى ماله وقبض عليه ، واستكتب إنسانا كان يكتب للنعيمي ، ( فاحتال النعيمي ) بأن أجابه إلى كل ما التمس منه ، ( وضمن منه ) ذلك الكاتب بمال ، فأطلقه ديسم ، وسلم إليه كاتبه وأعاده إلى حاله .

ثم سار ديسم وخلفه بأردبيل ليحصل المال الذي بذله ، فقتل النعيمي ذلك الكاتب وهرب بما معه من المال إلى علي بن ميسكي ، فبلغ الخبر ديسم بقرب زنجان ، فعاد إلى أردبيل ، فشغب الديلم عليه ، ففرق فيهم ما كان له من مال ، وأتاه الخبر بمسير علي بن ميسكي إلى أردبيل في عدة يسيرة ، فسار نحوه والتقيا واقتتلا ، فانحاز الديلم إلى علي ، وانهزم ديسم إلى أرمينية في نفر من الأكراد ، فحمل إليه ملوكها ما تماسك به .

وورد عليه الخبر بمسير المرزبان عن قلعة سميرم إلى أردبيل ، واستيلائه على [ ص: 203 ] أذربيجان ، وإنفاذه جيشا نحوه ، فلم يمكنه المقام ، فهرب عن أرمينية إلى بغداذ ، فكان وصوله هذه السنة ، فلقيه معز الدولة وأكرمه وأحسن إليه ، فأقام عنده في أرغد عيش .

ثم كاتبه أهله وأصحابه بأذربيجان يستدعونه ، فرحل عن بغداذ سنة ثلاث وأربعين [ وثلاثمائة ] وطلب من معز الدولة أن ينجده بعسكر ، فلم يفعل ؛ لأن المرزبان كان قد صالح ركن الدولة وصاهره ، فلم يمكن معز الدولة مخالفة ركن الدولة ، فسار ديسم إلى ناصر الدولة بن حمدان بالموصل يستنجده ، فلم ينجده ، فسار إلى سيف الدولة بالشام ، وأقام عنده إلى سنة أربع وأربعين وثلاثمائة .

واتفق أن المرزبان خرج عليه جمع بباب الأبواب ، فسار إليهم ، فأرسل مقدم من أكراد أذربيجان إلى ديسم يستدعيه إلى أذربيجان ليعاضده على ملكها ، فسار إليها ، وملك مدينة سلماس ، فأرسل إليه المرزبان قائدا من قواده ، فقاتله ، فاستأمن أصحاب القائد إلى ديسم ، فعاد القائد منهزما ، وبقي ديسم بسلماس .

فلما فرغ المرزبان من أمر الخوارج عليه ، عاد إلى أذربيجان ، فلما قرب من ديسم ، فارق سلماس وسار إلى أرمينية وقصد ابن الديراني وابن حاجيق لثقته بهما ، فكتب المرزبان إلى ابن الديراني يأمره بالقبض على ديسم ، فدافعه ثم قبض عليه خوفا من المرزبان ، ( فلما قبض عليه أمره المرزبان بأن ) يحمله إليه ، فدافعه ثم اضطر إلى تسليمه ، فلما تسلمه المرزبان سمله وأعماه ، ثم حبسه ، فلما توفي المرزبان قتل ديسم بعض أصحاب المرزبان خوفا من غائلته .

التالي السابق


الخدمات العلمية