الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      معلومات الكتاب

                                                                                                                                                                                                                                      التحصيل لفوائد كتاب التفصيل الجامع لعلوم التنزيل

                                                                                                                                                                                                                                      المهدوي - أبو العباس أحمد بن عمار المهدوي

                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 181 ] * * *

                                                                                                                                                                                                                                      بسم الله الرحمن الرحيم

                                                                                                                                                                                                                                      سورة النساء

                                                                                                                                                                                                                                      القول فيها من أولها إلى قوله تعالى: (إنه كان فاحشة ومقتا وساء سبيلا) [الآيات: 1-22].

                                                                                                                                                                                                                                      يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا وآتوا اليتامى أموالهم ولا تتبدلوا الخبيث بالطيب ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم إنه كان حوبا كبيرا وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم ذلك أدنى ألا تعولوا وآتوا النساء صدقاتهن نحلة فإن طبن لكم عن شيء منه نفسا فكلوه هنيئا مريئا ولا تؤتوا السفهاء أموالكم التي جعل الله لكم قياما وارزقوهم فيها واكسوهم وقولوا لهم قولا معروفا وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح فإن آنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أموالهم ولا تأكلوها إسرافا وبدارا أن يكبروا ومن كان غنيا فليستعفف ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف فإذا دفعتم إليهم أموالهم فأشهدوا عليهم وكفى بالله حسيبا للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون وللنساء نصيب مما ترك الوالدان والأقربون مما قل منه أو كثر نصيبا مفروضا وإذا حضر القسمة أولو القربى واليتامى والمساكين فارزقوهم منه وقولوا لهم قولا معروفا [ ص: 182 ] وليخش الذين لو تركوا من خلفهم ذرية ضعافا خافوا عليهم فليتقوا الله وليقولوا قولا سديدا إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا وسيصلون .سعيرا يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين فإن كن نساء فوق اثنتين فلهن ثلثا ما ترك وإن كانت واحدة فلها النصف ولأبويه لكل واحد منهما السدس مما ترك إن كان له ولد فإن لم يكن له ولد وورثه أبواه فلأمه الثلث فإن كان له إخوة فلأمه السدس من بعد وصية يوصي بها أو دين آباؤكم وأبناؤكم لا تدرون أيهم أقرب لكم نفعا فريضة من الله إن الله كان عليما حكيما ولكم نصف ما ترك أزواجكم إن لم يكن لهن ولد فإن كان لهن ولد فلكم الربع مما تركن من بعد وصية يوصين بها أو دين ولهن الربع مما تركتم إن لم يكن لكم ولد فإن كان لكم ولد فلهن الثمن مما تركتم من بعد وصية توصون بها أو دين وإن كان رجل يورث كلالة أو امرأة وله أخ أو أخت فلكل واحد منهما السدس فإن كانوا أكثر من ذلك فهم شركاء في الثلث من بعد وصية يوصى بها أو دين غير مضار وصية من الله والله عليم حليم تلك حدود الله ومن يطع الله ورسوله يدخله جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وذلك الفوز العظيم ومن يعص الله ورسوله ويتعد حدوده يدخله نارا خالدا فيها وله عذاب مهين واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهن أربعة منكم فإن شهدوا فأمسكوهن في البيوت حتى يتوفاهن الموت أو يجعل الله لهن سبيلا واللذان يأتيانها منكم فآذوهما فإن تابا وأصلحا فأعرضوا عنهما إن الله كان توابا رحيما [ ص: 183 ] إنما .التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة ثم يتوبون من قريب فأولئك يتوب الله عليهم وكان الله عليما حكيما وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى إذا حضر أحدهم الموت قال إني تبت الآن ولا الذين يموتون وهم كفار أولئك أعتدنا لهم عذابا أليما يا أيها الذين آمنوا لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة وعاشروهن بالمعروف فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج وآتيتم إحداهن قنطارا فلا تأخذوا منه شيئا أتأخذونه بهتانا وإثما مبينا وكيف تأخذونه وقد أفضى بعضكم إلى بعض وأخذن منكم ميثاقا غليظا ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء إلا ما قد سلف إنه كان فاحشة ومقتا وساء سبيلا

                                                                                                                                                                                                                                      [الأحكام والنسخ]:

                                                                                                                                                                                                                                      قال بعض العلماء: في قوله تعالى: (وبث منهما رجالا كثيرا ونساء) دليل على أن الخنثى لا يخلو من أن يكون ذكرا أو أنثى.

                                                                                                                                                                                                                                      (وآتوا اليتامى أموالهم ولا تتبدلوا الخبيث بالطيب) : قال مجاهد ، وأبو صالح: أي: لا تتبدلوا الحرام بالحلال.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 184 ] ابن المسيب ، والزهري ، وغيرهما: لا تعطوهم زيوفا بجياد، ولا مهزولا بسمين.

                                                                                                                                                                                                                                      (ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم) : [أي: لا تخلطوا أموالهم إلى أموالكم] لتأكلوا الجميع، عن مجاهد وغيره.

                                                                                                                                                                                                                                      الحسن : هي منسوخة بقوله: (وإن تخالطوهم فإخوانكم) [البقرة: 220]، وقد تقدم ذكر ذلك.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: المعنى: لا تربح على يتيمك في شيء يهواه عندك وهو جاهل.

                                                                                                                                                                                                                                      و (إلى) على بابها، والمعنى: لا تضموها في الأكل إلى أموالكم، وقيل: هي بمعنى (مع) .

                                                                                                                                                                                                                                      (وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع) : قال ابن عباس ، وابن جبير ، وغيرهما: المعنى: وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى; فكذلك فخافوا في النساء; لأنهم كانوا يتحرجون في اليتامى، ولا يتحرجون في النساء.

                                                                                                                                                                                                                                      وقالت عائشة رضي الله عنها: هي اليتيمة تكون في حجر وليها تشاركه في مالها، فيعجبه مالها وجمالها، فيريد أن يتزوجها من غير أن يقسط في صداقها، فيعطيها مثل ما يعطيها غيره، فنهوا أن ينكحوهن إلا أن يقسطوا فيهن، وأمروا أن ينكحوا ما طاب لهم من النساء سواهن.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 185 ] قالت: ثم استفتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد هذه الآية، فأنزل الله عز وجل: (يستفتونك في النساء قل الله يفتيكم فيهن وما يتلى عليكم في الكتاب) ، والذي يتلى عليهم في الكتاب هو قوله: (وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى) الآية.

                                                                                                                                                                                                                                      قالت: وقوله: (وترغبون أن تنكحوهن) : رغبة أحدهم عن يتيمته التي في حجره حين تكون قليلة المال والجمال.

                                                                                                                                                                                                                                      وقال الضحاك ، والحسن ، وغيرهما: إن الآية ناسخة لما كان في الجاهلية وفي أول الإسلام من أن للرجل أن يتزوج ما شاء من الحرائر، فقصرتهم الآية على أربع.

                                                                                                                                                                                                                                      ومعنى (خفتم) في قول أبي عبيدة : أيقنتم.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية