الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ثم دخلت سنة أربع وتسعين وأربعمائة

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 175 ] فيها عظم الخطب بأصبهان ونواحيها بالباطنية ، فقتل السلطان منهم خلقا كثيرا ، وأبيحت ديارهم وأموالهم للعامة ، كل من يقدرون عليه فلهم قتله وماله ، وكانوا قد استحوذوا على قلاع كثيرة ; وأول قلعة ملكوها في سنة ثلاث وثمانين ، وكان الذي ملكها الحسن بن الصباح أحد دعاتهم ، وكان قد دخل مصر وتعلم من الزنادقة الذين كانوا بها ، ثم صار إلى تلك النواحي ببلاد أصبهان فكان لا يدعو إلا غبيا لا يعرف يمينه من شماله ، ثم يطعمه العسل بالجوز والشونيز حتى يحترق مزاجه ويفسد دماغه ، ثم يذكر له شيئا من أخبار أهل البيت ، ويكذب له من أقاويل الرافضة الضلال ; أنهم ظلموا ومنعوا حقهم ، ثم يقول له : فإذا كانت الخوارج تقاتل مع بني أمية لعلي ; فأنت أحق أن تقاتل في نصرة إمامك علي بن أبي طالب ، ولا يزال يسقيه من هذا وأمثاله حتى يستجيب له ، ويصير أطوع له من أمه وأبيه ، ويظهر له أشياء كثيرة من المخرقة والنيرنجات والحيل التي لا تروج إلا على الجهال ; حتى التف عليه بشر كثير وجم غفير ، وقد بعث إليه السلطان ملكشاه يتهدده وينهاه عن بعثه الفداوية إلى العلماء ، فلما قرأ الكتاب بحضرة الرسول قال لمن حوله من الشباب : إني أريد أن أرسل منكم رسولا إلى مولاه ، فاشرأبت وجوه الحاضرين ، [ ص: 176 ] منهم ، ثم قال لشاب منهم : اقتل نفسك ، فأخرج سكينا فضرب بها غلصمته ، فسقط ميتا ، وقال لآخر منهم : ألق نفسك من هذا الموضع فرمى نفسه من رأس القلعة إلى أسفل خندقها فتقطع ، فقال للرسول : هذا الجواب فمنها امتنع السلطان من مراسلته ، هكذا ذكره ابن الجوزي وسيأتي أن الملك صلاح الدين فاتح بيت المقدس ، جرى له مع سنان صاحب الإيوان مثل هذا .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفي شهر رمضان أمر الخليفة المستظهر بالله بفتح جامع القصر وأن يبيض وأن يصلى فيه التراويح ، وأن يجهر بالبسملة ، وأن يمنع النساء من الخروج ليلا للفرجة .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفي أول هذه السنة دخل السلطان بركياروق إلى بغداد فخطب له بها ، ثم لحقه أخواه محمد وسنجر ، فدخلاها ، وهو مريض فعبرا في الجانب الغربي ، فقطعت خطبته ، وخطب لهما بها وهرب بركياروق إلى واسط ، ونهب جيشه ما اجتازوا به من البلاد والأراضي ، فنهاه بعض العلماء عن ذلك ووعظه ، فلم يفد شيئا .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفي هذه السنة ملكت الفرنج قلاعا كثيرة ; منها قيسارية وسروج ، وسار ملك الفرنج كندفري ، وهو الذي أخذ بيت المقدس إلى عكا فحاصرها فجاءه سهم في عنقه فمات من فوره ، ألا لعنة الله عليه وعلى أجناده .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 177 ]

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية