الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( القاعدة الرابعة والأربعون ) : في قبول قول الأمناء في الرد والتلف أما التلف فيقبل فيه قول كل أمين إذ لا معنى للأمانة [ ص: 62 ] إلا انتفاء الضمان ، ومن لوازمه قبول قوله في التلف وإلا للزم الضمان باحتمال التلف وهو لا يلزمه الضمان مع تحققه ويستثنى من ذلك الوديعة إذا هلكت مال المودع على طريقة من يحكي الخلاف فيها في قبول [ قول ] المودع في التلف لا في أصل ضمانه وكذلك العين المستأجرة والمستأجر على عمل [ فيها ] حكي فيها رواية بالضمان فمن الأصحاب من جعلها رواية بثبوت الضمان فيها فلا تكون أمانة ، ومنهم من حكى الخلاف في قبول دعوى التلف بأمر خفي وهي طريقة ابن أبي موسى فلا تخرج بذلك عن الأمانة وأما الرد فالأمناء ثلاثة أقسام .

الأول من قبض المال لمنفعة مالكه وحده فالمذهب أن قولهم في الرد مقبول ونقل أبو طالب وابن منصور عن أحمد أن الوديعة إذا ثبتت ببينة لم تقبل دعوى الرد بدون بينة وخرجها ابن عقيل على أن الإشهاد على دفع الحقوق الثابتة بالبينة واجب فيكون تركه تفريطا فيجب فيه الضمان وكذلك خرج طائفة من الأصحاب في وصي اليتيم أنه لا يقبل قوله في الرد بدون بينة ، وعزاه القاضي في خلافه إلى قول الخرقي وهو متوجه على هذا المأخذ ; لأن الإشهاد بالدفع إلى اليتيم مأمور به بنص القرآن ، وقد صرح أبو الخطاب في انتصاره باشتراطه الإشهاد عليه كالنكاح .

القسم الثاني : من قبض المال لمنفعة نفسه كالمرتهن فالمشهور أن قوله في الرد غير مقبول لشبهه بالمستعير وخرج أبو الخطاب وأبو الحسين وجها آخر بقبول قوله في الرد لأنه أمين في الجملة وكذلك الخلاف في المستأجر .

القسم الثالث : من قبض المال لمنفعة مشتركة بينه وبين مالكه كالمضارب والشريك والوكيل بجعل والوصي كذلك ففي قبول قولهم في الرد وجهان معروفان لوجود الشائبتين في حقهم .

( أحدهما ) عدم القبول ونص عليه أحمد في المضارب في رواية ابن منصور أن عليه البينة بدفع رأس المال وهو اختيار ابن حامد وابن أبي موسى والقاضي في المجرد وابن عقيل وغيرهم .

( والثاني ) : قبول قولهم وهو اختيار القاضي في خلافه وابنه أبي الحسين والشريف أبي جعفر وأبي الخطاب في خلافه ووجدت ذلك منصوصا عن أحمد في رواية ابن منصور في المضارب أيضا في رجل دفع إلى آخر [ ألف درهم ] مضاربة فجاء بألف فقال هذا ربح وقد دفعت إليك ألفا رأس مالك قال وهو مصدق فيما قال ، ووجدت في مسائل أبي داود عن أحمد نحو هذا أيضا ، وكذلك نقل عنه مهنا في مضارب دفع إلى رب المال كل يوم شيئا ثم قال كان من رأس المال أن القول قوله مع يمينه وحكم الأجير المشترك حكم هؤلاء وكذلك من يعمل في عين بجزء من نمائها لأنه إما أجير أو [ ص: 63 ] شريك والفرق بينهم وبين المستأجر أن المستأجر قبض مال المؤجر ليستوفي منه حق نفسه فصار حفظه لنفسه وصار المال في أيديهم أمانة لا حق لهم فيه وإنما حقهم فيما ينمى منه أو في ذمة المالك فأما من يعمل في المال بجزء من عينه فهو كالوصي الذي يأكل من مال اليتيم القول قوله في الرد أيضا صرح به القاضي لأن المال لم يقبضه لحق نفسه بل للحفظ على المالك وحقه فيه متعلق بعمله بخلاف المرتهن والمستأجر - ثم هاهنا أربعة أقسام

( أحدهما ) أن يدعي الأمين أنه رد الأمانة إلى من ائتمنه وهذا هو الذي ذكرناه

( والثاني ) : أن يدعي الرد إلى غير من ائتمنه بإذنه فهل يقبل قوله ؟ على وجهين :

( أحدهما ) : وهو المنصوص وهو اختيار أبي الحسن التميمي أنه يقبل قوله

( والثاني ) : لا يقبل فقيل لتفريطه بترك الإشهاد على المدفوع إليه فلو صدقه الأمين على الدفع لم يسقط الضمان وقيل بل لأنه ليس أمينا للمأمور بالدفع إليه فلا يقبل قوله في الرد إليه كالأجنبي وكل من [ هذه ] الأقوال الثلاثة قد نسب إلى الخرقي بل ونسب إليه أن دعوى الوصي الرد إلى اليتيم غير مقبول كما سبق فربما اطرد هذا في دعوى الرد من جميع الأمناء إلى من ائتمنهم وهو بعيد جدا وربما اختص بالوصي لأن ائتمانه ليس من جهة الصبي فهو كالأجنبي معه .

هذا إذا ادعى الرد بإذن المالك وإن ادعاه مع عدم إذنه فلا يقبل منه حتى ولا الأداء إلى الوارث والحاكم لأنهما لم يأتمناه نقله في التلخيص إلا أن يدعي الرد إلى من يده كيد المالك كوكيله أو رد الوديعة إلى عبده وخازنه ونحوهما ممن يحفظ ماله لأن أيديهم كيده ، ويتوجه في دعوى الرد إلى الحاكم والوارث بعد موت المورث القبول لقيامهما مقام المؤتمن وهو رد مبرئ .

القسم الثالث : أن يدعي غير الأمين - كوارثه - أن الأمين رد إلى المالك فلا يقبل لأنه غير مؤتمن فلا يقبل قوله ، ومن المتأخرين من خرج وجها بالقبول لأن الأصل عدم حصولها في يده وجعل أصل أحد الوجهين فيما إذا مات من كان عنده أمانة ولم توجد في تركته ولم يعلم بقاؤها عنده أنها لا تضمن ولا حاجة إلى التخريج إذا لأن الضمان على هذا الوجه منتف سواء ادعى الوارث الرد أو التلف أو لم يدع شيئا .

القسم الرابع : أن يدعي من حكمه حكم الأمناء في سقوط الضمان عنه بالتلف قبل التمكن من الرد كوارث المودع ونحوه والملتقط بعد ظهور المالك ومن أطارت الريح إلى داره ثوبا إذا [ ص: 64 ] ادعوا الرد إلى المالك ، ففي التلخيص لا يقبل لأن المالك لم يأتمنه ويتوجه قبول دعواه في حالة لا يضمن فيها بالتلف لأنه مؤتمن شرعا في هذه الحالة .

التالي السابق


الخدمات العلمية