الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                        معلومات الكتاب

                                        إحكام الإحكام شرح عمدة الأحكام

                                        ابن دقيق العيد - محمد بن علي بن وهب بن مطيع

                                        صفحة جزء
                                        57 - الحديث الأول : عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال { صلاة الجماعة أفضل من صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة . } .

                                        التالي السابق


                                        الكلام عليه من وجوه :

                                        أحدها : استدل به على صحة الفذ ، وأن الجماعة ليست بشرط . ووجه الدليل منه : أن لفظة " أفعل " تقتضي وجود الاشتراك في الأصل مع التفاضل في أحد الجانبين . وذلك يقتضي وجود فضيلة في صلاة الفذ وما لا يصح فلا فضيلة فيه . ولا يقال : إنه قد وردت صيغة " أفعل " من غير اشتراك في الأصل ; لأن هذا إنما يكون عند الإطلاق . وأما التفاضل بزيادة عدد فيقتضي بيانا . ولا بد أن يكون ثمة جزء معدود يزيد عليه أجزاء أخر . كما إذا قلنا : هذا العدد يزيد على ذاك بكذا وكذا من الآحاد . فلا بد من وجود أصل العدد ، وجزء معلوم في الآخر ، ومثل هذا . ولعله أظهر منه : ما جاء في الرواية الأخرى " تزيد على صلاته وحده ، أو تضاعف " فإن ذلك يقتضي ثبوت شيء يزاد عليه ، وعدد يضاعف . نعم يمكن من [ ص: 190 ] قال بأن صلاة الفذ من غير عذر لا تصح - وهو داود على ما نقل عنه - أن يقول : التفاضل يقع بين صلاة المعذور فذا والصلاة في جماعة . وليس يلزم إذا وجدنا محملا صحيحا للحديث أكثر من ذلك . ويجاب عن هذا بأن " الفذ " معرف بالألف واللام . فإذا قلنا بالعموم دل ذلك على فضيلة صلاة الجماعة على صلاة كل فذ فيدخل تحته الفذ المصلي من غير عذر . .



                                        الثاني : قد ورد في هذا الحديث التفضيل " بسبع وعشرين درجة " وفي غيره التفضيل " بخمس وعشرين جزءا " فقيل في طريق الجمع : إن الدرجة أقل من الجزء ، فتكون الخمس والعشرون جزءا سبعا وعشرين درجة . وقيل : بل هي تختلف باختلاف الجماعات ، وأوصاف الصلاة . فما كثرت فضيلته عظم أجره . وقيل : يحتمل أن يختلف باختلاف الصلوات . فما عظم فضله منها عظم أجره . وما نقص عن غيره نقص أجره . ثم قيل بعد ذلك : الزيادة للصبح والعصر . وقيل : للصبح والعشاء . وقيل : يحتمل أن يختلف باختلاف الأماكن كالمسجد مع غيره .

                                        الثالث : قد وقع بحث في أن هذه " الدرجات " هل هي بمعنى الصلوات ؟ فتكون صلاة الجماعة بمثابة خمس وعشرين صلاة ، أو سبع وعشرين ، أو يقال : إن لفظ " الدرجة " و " الجزء " لا يلزم منهما أن يكون بمقدار الصلاة ؟ والأول هو الظاهر ; لأنه ورد مبنيا في بعض الروايات وكذلك لفظة " تضاعف " مشعرة بذلك .



                                        الرابع : استدل به بعضهم على تساوي الجماعات في الفضل وهو ظاهر مذهب مالك . قيل : وجه الاستدلال به : أنه لا مدخل للقياس في الفضل . وتقريره : أن الحديث إذا دل على الفضل بمقدار معين ، مع امتناع القياس ، اقتضى ذلك الاستواء في العدد المخصوص . ولو قرر هذا بأن يقال : دل الحديث على فضيلة صلاة الجماعة بالعدد المعين ، فتدخل تحته كل جماعة ، ومن جملتها : [ ص: 191 ] الجماعة الكبرى والجماعة الصغرى . والتقدير فيهما واحد بمقتضى العموم - كان له وجه . ومذهب الشافعي : زيادة الفضيلة بزيادة الجماعة وفيه حديث مصرح بذلك ذكره أبو داود { صلاة الرجل مع الرجل أفضل من صلاته وحده . وصلاته مع الرجلين أفضل من صلاته مع الرجل } الحديث . فإن صح من غير علة فهو معتمد .




                                        الخدمات العلمية