الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
( باب ما جاء في قول رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل الطعام )

أي أكله ، وفي نسخة عند الطعام ، والمراد به التسمية ( وبعد ما يفرغ منه ) أي من الطعام ، كما في نسخة ، والمراد به الحمد ( حدثنا قتيبة ) أي ابن سعيد ، كما في نسخة ( حدثنا ابن لهيعة ) بفتح فكسر واسمه عبد الله ( عن يزيد بن أبي حبيب ) واسمه سويد بالتصغير ( عن راشد بن جندل اليافعي ) نسبة إلى موضع أو إلى قبيلة من رعين على ما في القاموس ( عن حبيب بن أوس عن أبي أيوب الأنصاري ) أي الخزرجي ، واسمه خالد بن زيد ، وكان مع علي بن أبي طالب في حروبه كلها ، ومات بالقسطنطينية مرابطا سنة إحدى وخمسين ، وذلك مع يزيد بن معاوية لما أعطاه أبوه القسطنطينية خرج [ ص: 286 ] معه فمرض ، فلما ثقل قال لأصحابه إذا أنا مت فاحملوني ، فإذا صادفتم العدو فادفنوني تحت أقدامكم ، ففعلوا ودفنوه قريبا عن سورها ، وهو معروف إلى اليوم معظم يستشفعون به فيشفعون ، فكأنه إشارة إلى أن من تواضع لله رفعه الله ، روى عنه جماعة ( قال : كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم يوما فقرب ) أي إليه كما في نسخة ( طعام فلم أر طعاما كان أعظم بركة منه ، أول ما أكلنا ) أي في أول وقت أكلنا فما مصدرية ، وأول منصوبة على الظرفية ، ويدل عليه قوله : ( ولا أقل بركة ) أي منه ( في آخره ) أي في آخر وقت أكلنا إياه ( قلنا : يا رسول الله كيف هذا ) أي بين لنا الحكمة والسبب في حصول عظمة البركة وكثرتها في أول أكلنا هذا الطعام ، وقلتها في الآخر ، وانعدام البركة منه ( قال : إنا ذكرنا اسم الله تعالى حين أكلنا ) فيه إشعار إلى أن سنة التسمية تحصل ببسم الله ، وأما زيادة الرحمن الرحيم ، فهي أكمل كما قاله الغزالي والنووي وغيرهما ، وإن اعترضه بعض المحدثين بأنه لم ير لأفضلية ذلك دليلا خاصا ، وتندب حتى للجنب والحائض والنفساء ، إن لم يقصدوا بها قرآنا وإلا حرمت ، قال ابن حجر : ولا تندب في مكروه ، ولا حرام بل لو سمى على خمر كفر ، على ما فيه ، كما هو مبين في محله ( ثم قعد من أكل ولم يسم الله تعالى ، فأكل معه الشيطان ) أي فانعدم بركته بسرعة ، وأكل الشيطان محمول على حقيقته عند جمهور العلماء سلفا وخلفا ; لإمكانه شرعا وعقلا ، ثم اعلم أن الطيبي نقل عن النووي أن الشافعي قال : لو سمى واحد في جماعة يأكلون لكفى ذلك ، وسقط عن الكل ، ثم قال : فتنزيله على هذا الحديث أن يقال معنى قوله : صلى الله عليه وسلم قعد ، أي بعد فراغنا من الطعام ، ولم يسم ، أو يقال : أن شيطان هذا الرجل جاء معه ، فلم تكن تسميتنا مؤثرة فيه ، ولا هو سمى يعني لتكون تسميته مانعة من أكل شيطانه معه ، قالميرك : وأنت خبير بأن التوجيه الأول خلاف ظاهر الحديث ، إذ كلمة ثم لا تدل إلا على تراخي قعود الرجل عن أول اشتغالهم بالأكل ، وأما على تراخيه عن فراغهم من الأكل كما ادعاه فلا .

وأما التوجيه الثاني فحسن ، لكن ليس صريحا في دفع التناقض بين الحديث ، وبين ما قاله الشافعي ، فالأولى ما يقال كلام الشافعي محمول على أنه مخصوص بما إذا اشتغل جماعة بالأكل معا ، وسمى واحد منهم ، فحينئذ تسمية هذا الواحد تجزئ عن البواقي من الحاضرين ، لا عن شخص لم يكن حاضرا معهم وقت التسمية ، إذ المقصود من التسمية عدم تمكن الشيطان من أكل الطعام مع الآكل من الإنسان ، فإذا لم يحضر إنسان وقت التسمية عند الجماعة ، لم تؤثر تلك التسمية في عدم تمكن شيطان ذلك الإنسان من الأكل معه ، تأمل .

التالي السابق


الخدمات العلمية