الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
سورة الأعراف .

بسم الله الرحمن الرحيم .

قال تعالى : ( المص ( 1 ) كتاب أنزل إليك فلا يكن في صدرك حرج منه لتنذر به وذكرى للمؤمنين ) ( 2 ) .

( المص ) : قد ذكرنا في أول البقرة ما يصلح أن يكون هاهنا ، ويجوز أن تكون هذه الحروف في موضع مبتدأ ، و " كتاب " خبره ، وأن تكون خبر مبتدأ محذوف ؛ أي : المدعو به " المص " ، وكتاب خبر مبتدأ محذوف ؛ أي : هذا ، أو هو . و ( أنزل ) : صفة له .

( فلا يكن ) : النهي في اللفظ للحرج ، وفي المعنى للمخاطب ؛ أي : لا تحرج به .

و ( منه ) : نعت للحرج ، وهي لابتداء الغاية ؛ أي : لا تحرج من أجله .

و ( لتنذر ) : يجوز أن يتعلق اللام بأنزل ، وأن يتعلق بقوله : فلا يكن ؛ أي : لا تحرج به لتتمكن من الإنزال ، فالهاء في منه للكتاب ، أو للإنزال . والهاء في " به " للكتاب . ( وذكرى ) : فيه ثلاثة أوجه : [ ص: 415 ] أحدها : منصوب ، وفيه وجهان : أحدهما : هو حال من الضمير في أنزل ، وما بينهما معترض . والثاني : أن يكون معطوفا على موضع لتنذر وتذكر ؛ أي : ولذكرى . والثاني : أن يكون في موضع رفع ، وفيه وجهان : أحدهما : هو معطوف على كتاب . والثاني : خبر ابتداء محذوف ؛ أي : وهو ذكرى . والوجه الثالث : أن يكون في موضع جر عطفا على موضع تنذر ، وأجاز قوم أن يعطف على الهاء في " به " ، وهذا ضعيف ، لأنه الجار لم يعد .

قال تعالى : ( اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم ولا تتبعوا من دونه أولياء قليلا ما تذكرون ) ( 3 ) .

قوله تعالى : ( من ربكم ) : يجوز أن يتعلق بأنزل ، ويكون لابتداء الغاية ، وأن يتعلق بمحذوف ، ويكون حالا ؛ أي : أنزل إليكم كائنا من ربكم . و ( من دونه ) : حال من أولياء ، و ( قليلا ما تذكرون ) : مثل : ( فقليلا ما يؤمنون ) [ البقرة : 88 ] . وقد ذكر في البقرة .

و " تذكرون " بالتخفيف على حذف إحدى التاءين ، وبالتشديد على الإدغام .

قال تعالى : ( وكم من قرية أهلكناها فجاءها بأسنا بياتا أو هم قائلون ) ( 4 ) .

قوله تعالى : ( وكم من قرية ) : في " كم " وجهان : أحدهما : هي مبتدأ ، و " من قرية " تبيين ، ومن زائدة ، والخبر " أهلكناها " ، وجاز تأنيث الضمير العائد على " كم " ؛ لأن كم في المعنى " قرى " . وذكر بعضهم أن أهلكناها صفة لقرية ، والخبر " فجاءها بأسنا " وهو سهو ؛ لأن الفاء تمنع ذلك .

والثاني : أن " كم " في موضع نصب بفعل محذوف ، دل عليه أهلكناها ، والتقدير : كثيرا من القرى أهلكنا ، ولا يجوز تقديم الفعل على " كم " وإن كانت خبرا ؛ لأن لها صدر الكلام إذ أشبهت رب ، والمعنى : وكم من قرية أردنا إهلاكها كقوله : ( فإذا قرأت القرآن ) [ النحل : 98 ] : أي : أردت قراءته . وقال قوم : هو على القلب ؛ أي : وكم من قرية جاءها بأسنا فأهلكناها ، والقلب هنا لا حاجة إليه ، فيبقى محض ضرورة ، والتقدير : أهلكنا أهلها فجاء أهلها . ( بياتا ) : البيات اسم للمصدر ، وهو في موضع الحال ، ويجوز أن يكون مفعولا له ، ويجوز أن يكون في حكم الظرف . ( أو هم قائلون ) : الجملة حال ، و " أو " لتفصيل الجمل ؛ أي : جاء بعضهم بأسنا ليلا وبعضهم نهارا ، والواو هنا واو " أو " وليست حرف العطف سكنت تخفيفا ، وقد ذكرنا ذلك في قوله : ( أوكلما عاهدوا عهدا ) [ البقرة : 100 ] .

[ ص: 416 ] قال تعالى : ( فما كان دعواهم إذ جاءهم بأسنا إلا أن قالوا إنا كنا ظالمين ) ( 5 ) .

قوله تعالى : ( دعواهم ) : يجوز أن يكون اسم كان ، و ( إلا أن قالوا ) : الخبر ، ويجوز العكس .

قال تعالى : ( فلنقصن عليهم بعلم وما كنا غائبين ) ( 7 ) .

قوله تعالى : ( بعلم ) : هو في موضع الحال ؛ أي : عالمين .

التالي السابق


الخدمات العلمية