الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
القول في تأويل قوله ( يا بني آدم إما يأتينكم رسل منكم يقصون عليكم آياتي فمن اتقى وأصلح فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون ( 35 ) )

قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره معرفا خلقه ما أعد لحزبه وأهل طاعته والإيمان به وبرسوله ، وما أعد لحزب الشيطان وأوليائه والكافرين به وبرسله : ( يا بني آدم إما يأتينكم رسل منكم ) ، يقول : إن يجئكم رسلي الذين أرسلهم إليكم بدعائكم إلى طاعتي ، والانتهاء إلى أمري ونهيي " منكم " ، يعني : من أنفسكم ، ومن عشائركم وقبائلكم ( يقصون عليكم آياتي ) ، يقول : يتلون عليكم آيات كتابي ، ويعرفونكم أدلتي وأعلامي على صدق ما جاءوكم به من عندي ، وحقيقة [ ص: 406 ] ما دعوكم إليه من توحيدي ( فمن اتقى وأصلح ) ، يقول : فمن آمن منكم بما أتاه به رسلي مما قص عليه من آياتي ، وصدق ، واتقى الله فخافه بالعمل بما أمره به والانتهاء عما نهاه عنه على لسان رسوله ( وأصلح ) ، يقول : وأصلح أعماله التي كان لها مفسدا قبل ذلك من معاصي الله بالتحوب منها ( فلا خوف عليهم ) ، يقول : فلا خوف عليهم يوم القيامة من عقاب الله إذا وردوا عليه ( ولا هم يحزنون ) ، على ما فاتهم من دنياهم التي تركوها ، وشهواتهم التي تجنبوها ، اتباعا منهم لنهي الله عنها ، إذا عاينوا من كرامة الله ما عاينوا هنالك .

14554 - حدثني المثنى قال ، حدثنا إسحاق قال ، حدثنا هشام أبو عبد الله قال ، حدثنا هياج قال ، حدثنا عبد الرحمن بن زياد ، عن أبي سيار السلمي قال ، إن الله جعل آدم وذريته في كفه فقال : ( يا بني آدم إما يأتينكم رسل منكم يقصون عليكم آياتي فمن اتقى وأصلح فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون ) ، ثم نظر إلى الرسل فقال : ( يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا إني بما تعملون عليم وإن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاتقون ) ، [ سورة المؤمنون : 51 - 52 ] ، ثم بثهم .

فإن قال قائل : ما جواب قوله : ( إما يأتينكم رسل منكم ) ؟ [ ص: 407 ]

قيل : قد اختلف أهل العربية في ذلك .

فقال بعضهم في ذلك : الجواب مضمر ، يدل عليه ما ظهر من الكلام ، وذلك قوله : ( فمن اتقى وأصلح ) . وذلك لأنه حين قال : ( فمن اتقى وأصلح ) ، كأنه قال : فأطيعوهم .

وقال آخرون منهم : الجواب : " فمن اتقى " ، لأن معناه : فمن اتقى منكم وأصلح . قال : ويدل على أن ذلك كذلك ، تبعيضه الكلام ، فكان في التبعيض اكتفاء من ذكر " منكم " .

التالي السابق


الخدمات العلمية