الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          [ ص: 75 ] (سورة البقرة )

                                                          (بين يدي السورة )

                                                          سورة البقرة مدنية نزلت في المدينة في مدد ، وقيل إنها أول سورة نزلت بالمدينة ، وقد ادعى بعض العلماء أن بعض هذه السورة كان آخر آية نزلت من القرآن الكريم ، وهي قوله تعالى : واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله نزلت في حجة الوداع بمنى ، وهي على هذا باعتبار نزولها في مكة تكون مكية .

                                                          وإن الذي نراه أن فيصل التفرقة بين المكي والمدني ، ليس هو مكان النزول ، إنما هو كونه بعد الهجرة أو قبلها ، فإن كان قبلها ، فهو مكي ، وإن كان بعدها فهو مدني ولو نزل بمكة ، إذ إن الفارق بين المكي والمدني موضوعي ، لا مكاني إذ إن أكثر الموضوعات التي تتصدى لها السور والآيات المكية : بيان أصل العقيدة الإسلامية ، ومجادلة المشركين حولها ، وسوق الأدلة لبطلان الوثنية ، وتأكيد الوحدانية ، والتعرض لأحوال المشركين ، ومعاداتهم للنبي - صلى الله عليه وسلم - ومن آمن معه ، وأخبار المبادرة بالدعوة وإنذار العشيرة ، كما قال تعالى : وأنذر عشيرتك الأقربين واخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين . وهكذا أكثر القرآن المكي يتعرض لإثبات العقيدة ، ومجادلة من ينكرونها من عبدة الأوثان .

                                                          أما السور المدنية وآياتها ، فإنها تبين الأحكام الفرعية ، وأحوال أهل الكتاب مع أهل الإيمان ، وتنظيم الدولة الإسلامية ، وسن النظم لتكوينها ، وتكوين [ ص: 76 ] المجتمع الفاضل الذي تقوم عليه ، وما يحل وما يحرم في هذا المجتمع ، وفيها قيام الأسرة الإسلامية التي تقوم على تقوى من الله تعالى ، ورضوان من الله ورحمة .

                                                          وإذا كانت السور المكية فيها الإشارات لإيذاء المؤمنين ، واستضعافهم ، مع رجاء القوة كقوله تعالى : ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين .

                                                          إذا كانت السور المكية فيها إشارة إلى الاستضعاف فالسور المدنية فيها الإذن بالقتال ، وتنظيمه ، والسير به في طريق الحق والعدل ، وبيان الغاية من القتال ونهايته ، وهي منع الفتنة في الدين .

                                                          وسورة البقرة أطول سور القرآن ، وسميت البقرة لأظهر الحوادث التي ذكرتها ، وأغربها ، وهي بقرة بني إسرائيل التي لجوا في السؤال عنها ، وما تدل على أخلاقهم من اللجاجة في القول ، وإرادة التلبيس في الأمر الواضح البين ، فقد كانوا كلما زادت لجاجتهم زاد الأمر تعقيدا عليهم ، وتلبيسا على أنفسهم .

                                                          * * *

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية